مسرورين فرحين، وراح النُّدل بينهم وجاءوا، هذا يحمل الأطباق الحافلة، وذاك يحمل الماء المثلوج، وثالث الكامخ الإيطالي اللذيذ. . . وأشرف ميشيل على الجميع بملابسه الناصعة، ووجهه الحزين الباسم، فطفق يأمر هذا ويشير إلى ذاك، ويدعو هذه ويحث تلك، والسياح مقبلون على آكالهم وأشرباتهم آخذون في سمر هامس، وكلام رقيق. . . شأن السادة الإنجليز في كل فج. . .
ثم وقف ميشيل أمام حسناء إنجليزية فجأة ولم يرم!
ما له وقف هكذا كالتمثال ويداه مقبوضتان! إنه لا ينبس ولا يتحرك! بل سمر عينيه في السيدة المشغولة عنه بطعامها وشرابها، ولما يأبه للنداءات والأجراس التي تهتف به من كل صوب!. . . ودهش النازلون فجعلوا يحدجونه وإن لم يشتغلوا به عن طعامهم ثم استبطأته المديرة فانطلقت إليه كي ترى. . . فلما وجدته يقف عن كثب قريباً من السيدة الإنجليزية لكزته لكزة هينة لينة، لكنه لم ينتبه. . . فنظرت المديرة إلى السيدة السائحة نظرات سريعة فعرفت كل شيء
- أستميحك عذراً يا سيدتي فهذا النادل ميشيل أديب مشغوف بك، يقرأك ويكب على قراءتك، وليست لك قصة أو درامة منقولة إلى الإيطالية إلى وقد اقتناها. . . والأعجب من كل ذلك أنه اقتنى صورتك من إحدى المجلات التي تكتبين فيها، ووضعها في إطار ثمين، وأولاها من عنايته ما لم يول حياته الخاصة! أندريا! أندريا!
وأقبل الخادم أندريا فقالت له المديرة:
- انطلق إلى غرفة ميشيل فأحضر صورة السيدة إيزابل هايس!
ونظرت السيدة الأديبة إلى صورتها فدهشت لاحتفاظ النادل الإيطالي بها، وشاع فيها برغم طبعها الإنجليزي المعروف إحساس بالكبرياء والزهو. . . حتى إذا فرغت من طعامها هتفت بميشيل وسمحت له بالجلوس إليها يكلمها وتكلمه. . وكانت تجيد الإيطالية فكان الحديث بينهما جميلاً جذاباً ذا شجون. . .
ومما سحر ميشيل أنه سمع من فم الأديبة الإنجليزية صوت ماريا، ورأى فوق رأسها سلوكا هفهافة من الذهب تشبه شعر حبيبته، ووجد الجسم السمهري الممشوق هو هو جسم صاحبته وقوامها. . ولم يكن باقياً إلا أن تكون الأديبة إيطالية. . ونادلة. . لتكون ماريا. .