والحوادث؛ وكان فوق ذلك أجدر الناس بتدوينها، وأقدرهم على الاستفادة من عبر الحوادث وفهم أسرارها وتطوراتها؛ ذلك أنه كان مدى ثلث قرن شخصية بارزة في القصر الخديوي، بل كان مدى أعوام طويلة اعظم رجال البطانة الخديوية نفوذاً وأشدهم تأثيراً في توجيه الخديو؛ وكان بحكم منصبه ومراقبته لسير الأمور من أكثر الناس إطلاعاً على سير الحوادث، وعلى أسرار الوثائق، وأكثرهم فهماً للرجال العموميين فما يقدمه إلينا من مذكراته هو أصح وأدق ما يستطيع مؤرخ معاصر أن يقدمه عن حوادث عصره.
ويشمل القسم الثالث من هذه المذكرات النفيسة مرحلة الحرب الكبرى وما بعدها، من سنة ١٩١٥ إلى سنة ١٩٢٣؛ ونحن نعرف أن الخديو عباس حلمي كان منذ صيف ١٩١٤ متغيباً في استانبول، وأن الخلاف وقع بينه وبين الإنكليز منذ نشوب الحرب الكبرى، فلم يعد بعد ذلك إلى مصر، وأنه لعب أثناء الحرب أدواراً خطيرة، واشترك في كثير من مشاريع السياسة الألمانية التركية نحو مصر. وقد كان المؤلف خلال هذه الأعوام المدلهمة إلى جانب مولاه في المنفى مع نفر من كرام المصريين، يتتبع عن كثب تطورات الحوادث ويقيدها. وهو يقص علينا في مذكراته ناحية من المأساة لم تكن مصر خلال الحرب تدري شيئاً عنها؛ ومن الصعب أن نتتبع محتويات الكتاب في هذا المقام الضيق، ولكنا نستطيع أن نقول باختصار إنها كل حياة الخديو السابق وكل حركاته وأعماله منذ سنة ١٩١٥ إلى سنة ١٩٢٠ وهي صفحة غريبة مشجية من تأريخ مصر السري لا نعرف عنها سوى القليل؛ ومن حولها معلومات وتفاصيل كثيرة عن المصريين الذين اشتركوا فيها أو اتصلوا بها، ومنهم كثير من الزعماء اللاحقين؛ ويقرن المؤلف ذلك بتفصيل أعماله وحياته وصلاته مع الخديو وغيره حتى عوده إلى الوطن من المنفى في سنة ١٩٢٣.
ونحن نهنئ الشيخ الوقور أحمد شفيق باشا بتوفيقه في إتمام ذلك العمل الجليل الذي استغرق أعواماً كثيرة من حياته واقتضى منه جهوداً عظيمة تستحق تقدير مواطنيه وتقدير التاريخ؛ أمد الله في حياته الحافلة النافعة.
الآداب الفرنسية وجائزة نوبل
تحدثت الصحف الفرنسية لمناسبة فوز الكاتب الفرنسي روجيه مارتان دوجار بجائزة نوبل للآداب عن الكتاب الفرنسيين الذين ظفروا قبله بهذا الشرف، فذكرت إنهم قلائل جداً