أكلفه أن يدرس هذه الأسطورة، لا في صورتها الكثيرة التي اختلفت عليها. ولم أدله إلا على هذا المرجع ثم انتظرت:
وبعد ستة أسابيع أو بعد شهرين ألقى الدرس الذي طلب إليه. فيا له من دهش عم رفاقه في قاعة المحاضرات! ويا له من فرح ملأ قلبي! فأنه لم يكتف كما كان غيره يكتفي بالتفكير في هذه النصوص الخمسة أو الستة التي رواها جاستون باري: فقد اهتدى لا أدري من أي طريق إلى مجلة (بنفى)(الشرق والغرب) حيث كان (جودوك) قد أخذ منذ سنة ١٨٦٠ يسجل مجموعات من الأساطير الشعبية، وما هي إلا أن أراه قد استطاع أن يستكشف نصوصا عشرة أهملها جاستون باري عمدا أو خطأ. هنالك أعلنت مكيدتي وهي أن أعرض على هذا الطالب الجديد أيسر بحث في ظاهر الأمر، هذا البحث الممهد المطروق لأتبين من أمره ما أريد، ولأعلم أيكتفي بإعادة ما قرأ، أم يحاول أن يأتي بشيء جديد، وبينت لرفاقه مصاعب هذا البحث عن الأساطير. وقد كان الناس كلفين به في ذلك الوقت، وبينت لهم ما يحتاج إليه الباحث المجد من الجهد والاستقصاء لاستكشاف الصور المختلفة لهذه الأساطير في كتب غامضة مهجورة، ثم أنبأتهم بأن جهدا خصبا منتجا للاستقصاء العلمي قد ظهر في هذا اليوم.
وما لي أطيل الوقوف عند هذه القصة كأني أريد أن أتحدث عن نفسي، ذلك لأبين أولاً كيف كانت الحياة قديما في مدرسة المعلمين، كيف كانت صورة من صور التعاون بين الأصدقاء، يعطي الأساتذة فيها من أنفسهم أكثر ما يستطيعون إعطاءه، ولكنهم يأخذون من طلابهم مثل ما يعطون، ثم لأن بيير فيلليه كثيرا ما كان يذكرني بهذه القصة فيما بعد، في ذلك اليوم أعلن بعض الطلبة المتقدمين الذين لم يسبقهم كثيرون أنه مؤمن بهذا الشاب الضرير واثق بفوزه في هذا النوع من البحث الذي يميل إليه.
ولكن هذا الشاب - بيير فيلليه - وجد في الوقت نفسه بين أساتذته ورفاقه من أعانه على قطع هذه الطريق. وكان منهم الظريف (بيير موريس ماسون) والجاد (جبرييل ليرو) وكلامها سقط في ميدان الشرف أثناء الحرب الكبرى، ومنهم بول ازار، وأوجين البرتيني، وتراشيه، وموريت، وبيير كومير، ولويس ريو، وألكسندر جوانو، واميه برتو، وجاك شيفالييه. . . وكم أحب أن أسميهم جميعا هؤلاء الأصدقاء الذين كانوا مثله في سن