للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أمَا وإن تاريخ الرافعي في هذا الفصل هو تاريخ الأدب في جيل من الأدباء، فإن كان من حق أحد أن يعتب عليّ لنشر هذا الفصل فإن حق الأدب لأوجب؛ وما أريد من فلان وفلان شيئاً، وما لي عندهم حاجة ولا لهم عليّ يد؛ فليغضب من يغضب للحق أو لنفسه فلا عليّ من غضبه أو رضاه، وإني لماض فيما أنا بسبيله. . .

بين الرافعي وطه

في سنة ١٩٢٢ كانت السياسة الأسبوعية هي صحيفة الأدب والثقافة؛ وفيها كان يعمل الدكتور طه حسين في الأدب وفي السياسة معاً؛ ولم يكن بين الرافعي وطه يومئذ شيء يثير ثائرة في الصدر، أو يدعو إلى عتاب وملامة، ولكنّ إرهاصات كانت تسبق ذلك ببضع عشرة سنة. . .

كان طه حسين في سنة ١٩٠٩ هو الطالب المرموق في الجامعة، وكان الرافعي الشاعر ماضياً في الشعر على سنته، لا يعرف له أحد مذهباً غير الشعر؛ فلما نشر مقاليه المشهورين في (الجريدة) ينقد بهما أساليب الأدب في الجامعة، تنبهت إليه العيون؛ فلما أنشأ كتابه تاريخ آداب العرب في سنة ١٩١١، عرف الأدباء الرافعي العالم المؤرخ الرواية، وعرفه طه حسين الطالب بالجامعة.

أفكان الطالب طه حسين يرشح نفسه من يومئذ ليكون أستاذ الأدب بالجامعة، فنفس على الرافعي أن يؤلف كتاباً في تاريخ آداب العرب فكتب ينقد كتابه ويقرر أنه لم يفهمه، ثم يقررها ثانية في نقد (حديث القمر) وثالثة في (رسائل الأحزان)؟

الحق أن الرافعي كان يطمع في أن يكون إليه تدريس الأدب في الجامعة منذ أنشئت الجامعة، وقد كشف عن رغبته هذه في مقاليه الأول والثاني بالجريدة؛ ولكن طه يومئذ كان طالباً في الجامعة، فمن الإسراف في المزاح أن ننسب ما كان بينهما من بعدُ إلى النفاسة أو المنافسة على كرسي الآداب في الجامعة! ولكنه صدر من تاريخ هذه الخصومة الأدبية له قدره في هذا الفصل فلابد من الإشارة إليه

ونفخت السياسة الأسبوعية في الأدب روحاً جديدة، واتخذت لها أسلوباً في الدين وفي العلم وفي الأدب، قال عنه جماعة من الأدباء: إنه إلحاد وكفر وضلال. وقالت طائفة: إنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>