للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

باريس؛ والدهر والأبدية بيني وبين آمالي؛ والقبر بيني وبين والديّ؛ وأنا بعد هذا كله غارق في كتب البلاغة، (ووظائف) الإنشاء، نسيت مشروعاتي الأدبية التي رسمت خططها، وأقمت أسسها، وأهملت بحوثي ومطالعاتي، وبعت ذكائي ومواهبي وشبابي برغيف من الخبز. . .

هذا ما قدر عليّ، وإني راض بما قدر!

إني أعيش الآن بلا غاية، ولكن غايتي أن أعيش، أن أثبت وجودي في هذه الدنيا، كتلميذ كسلان ما جاء ليتعلم، ولكن ليعدّ في التفقد موجودا، أو موظف خامل مقصر. . .

فلماذا إذن أعيش؟

الآن لي حق الحياة؟ فلماذا لا يكون لي إذن حق الموت؟ ألا أملك أنا أمر نفسي، ولكن من أنا؟ ومن نفسي؟ أأنا اثنان في واحد؟. . .

إنني لا أستطيع التفكير في هذا. . .

وملأ نفسي الشعور بالوحشة، وأحسست في نفسي وفيما حولي فراغاً مخيفاً، وشعرت كأن هذه الغرفة تتسع ثم تتسع، حتى صار بين الجدران فضاء لا يدركه البصر!

ثم ضاق بي الفضاء - حتى كدت اختنق فيه، فخرجت إلى الشارع. . . وكان موهن من الليل. . .

تركت ميدان البرج يضحك بالكهرباء، ويرقص على ألحان الأشعة، التي تنسكب على الميدان من ذرى البنى الرفيعة فتغمره بجو فاتن وتسيل على جوانبه، وتنسج فوقه شبكة من الأشعة منسوجة من ملايين الخيوط الملونة بمئات الألوان، وتركت الناس يحتفلون بعيد رأس السنة، يتأملون معاني الوجود، وفلسفة الخلود، وحقيقة الزمان في هذه المراقص الصاخبة، الغارقة في الخمر والعهر. . .

ويممت شطر البحر أمشى في الطرق المظلمة المنعزلة الخالية إلا من أعقاب السابلة ممن هو حليف البؤس أو الرذيلة فخلا الجو لفكري فانطلق. . .

قالت النفس: إن العالم يموت، أفلا نودّعه بحسرة. . . أو نسكب على جثته عبرة؟

فلم يعرف العقل ما هو الموت ولم يصدق بوجوده. . .

قال العقل: ما هو الموت؟ إن كان انتقالا من حال إلى حال فليس موتا؛ وإن كان الموت

<<  <  ج:
ص:  >  >>