قال: لا، إنه لم يمت، تذكره ويعيش حيّاً في ذاكرتك، وليس في الذاكرة شيء ليس له وجود في الواقع.
قلت: وأين يوجد؟
قال: لست أدري، هو في ذاكرة الكون.
قلت: إن العام يموت الآن!
قال العقل: إن العام (٣٦٥) يوما وبعض من اليوم هو ست ساعات و (٤٧) دقيقة، وبعض منها هو (٣٣) ثانية، وبعض الثانية فلنفرض هذا البعض (٢٠) ثالثة، وبعض الرابعة فلنفرض هذا البعض (٢٥) خامسة وبعضا. . . وهكذا يمشي العقل حتى يصل إلى أصغر الأجزاء الزمنية، ولكنه لا يزال يمشي لا ينتهي أبدا. . . إن عام الهجرة مثلا لا تزال له بقية في الوجود، أجزاء من الزمن بالغة في الصغر حدا لا يدركه العقل، ولكن تدركه الذاكرة. . . إن هذه البقايا هي ذكريات الأعوام في نفس العام الجديد!
قلت: إني لم أفهم شيئا!
وقفز عقلي فجأة من أجزاء الزمن الصغيرة إلى الزمان المطلق، وراح يمشي على هذا الخط الطويل يقطعه في لحظة، ولكنه لا يستطيع أن يبلغ طرفيه، فلا يني يحاول بلوغهما ولا ينقطع عن السؤال. . . إلى أين ينتهي هذا الخط؟ من أين يبدأ؟ أليس له نهاية؟ ما هي اللانهاية؟
وذهب العقل يفكر: إن عمر عشر حشرات ساعة من عمري، وعمر عشرة رجال ساعة من عمر الصحراء، وعمر الصحارى كلها ساعة من عمر الشمس، فما هي الساعة إذن؟ ما هو العام؟ ما هي حقيقة الزمان؟
وما هو المكان؟ إني لم أر مكانا قط، ولم أر إلا موجودات لا أعرف نهايتها، ولا أدرك آخرها، فكيف لي أن أرى مكاناً ليس فيه شي؟ ما حقيقة المكان والزمان؟ ما عمرهما؟ ماذا وراءهما؟
ألا أستطيع أن أعرف هذا العالم الهائل الذي تحجبه عن عيني هذه الطبيعة كما تحجب