- وأنا أيضاً أحب أن أسمع وصف القاهرة، فقد طال شوقي إلى القاهرة
- تعرف يا سيدي محطة باب الحديد؟
- أراها يا بنيتي في طيف الخيال!
- لقد أرهقنا الحمالون. . .
- أنت يا ظمياء تتكلمين بلغة السائحين. إن لمحطة باب الحديد سحراً لا تعرفينه يا حمقاء
(ثم سكت لحظة، فقد تذكرت أني زرت تلك المحطة أكثر من مائة مرة على غير ميعاد، لأشهد أسراب المودعين والمودعات في القطار الذي يقوم إلى بور سعيد كل مساء. وتذكرت أني كنت أضحى بمكاني في قطار البحر فلا أصعد إليه إلا بعد أن يدق الناقوس لأمتع عيني وقلبي بالحسن الذي يموج فوق الرصيف وتذكرت الفتاة التي استقبلتها في تلك المحطة عند منتصف الليل في الشتاء الماضي، تلك الفتاة التي جاءت من نورمنديا خاصة لتزور معي الأهرام في ليلة قمراء. تذكرت وتذكرت حتى كاد يفضحني الدمع، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وهو وحده يعلم ما يقاسي قلبي من الغربة بين القلوب)
- ثم ماذا يا ظمياء؟
- ثم اخترقنا شارع كامل
- هو اليوم شارع إبراهيم
- أفادك الله!
- يا لئيمة، فيك أشياء من دعابة بغداد!
- ثم نزلنا عند أسرة عراقية تقيم في شارع قصر النيل، وكانت ليلى قد تعبت فظلت في البيت يومين كاملين
- وهل في الدنيا إنسان يرى القاهرة أول مرة ثم يحبس نفسه في البيت يومين؟
- قلت إن ليلى كانت تعبت، والحق أن ربة البيت الذي نزلنا فيه نهتنا عن الخروج، لأننا نزلنا القاهرة ملفوفتين بالثياب على نحو ما ترى عقائل بغداد، وكانت تلك السيدة تخشى إن خرجنا بتلك الصورة أن يرانا الجمهور من الغرباء، والغريب لا يسلم من فضول الناس. وفي يومين اثنين أحضرت تلك السيدة الكريمة ما ترى أن نلبس من الثياب. أما أنا ففرحت