وجعل (المعرفة) متعة سامية بريئة يقبل (المتخرجون) على التزود منها أثناء فراغهم بدلاً من الجلوس في المقاهي وغير المقاهي مما تعرف وما لا تعرف يا قارئي العزيز!، هذا إلى خلق الشخصية الديمقراطية التي تتعاون مع غيرها في المسائل العسيرة كما تعاونت بالأمس في موضوعات الدراسة، والتي تستطيع أن تكافح حقاً في الحياة وتحتقر (الديوان) وتمضي إلى الكفاح بجرأة وبأس وإقدام. . .
٣ - في المدرسة
وأما المدرسة فهي كما تعلم البيئة التي تعدنا للحياة الخارجية، ولذلك يجب أن يشملها التغيير، وأن تنقلب انقلاباً خطيراً؛ ومعنى هذا أن تصبح دار عمل وتجريب شائق لذيذ مجهد كله حرية وتعاون واحترام؛ ففيها يزرع التلاميذ الشجرة ويشاهدون نموها ويسجلونه قبل أن يقرؤوا عنه، وفيها أدوات البناء والطهي، والغزل والنسج، وأشغال الخشب والإبرة وما أشبه؛ ويقف المدرس هنا ليضع الطفل أمام التجاريب ويشعره بحاجته الماسة إليها. وبذلك تكون المدرسة كما يقول الأستاذ (يعقوب فام): (صورة مصغرة للمجتمع البشري، فهي إذن ليست وسيلة للجمعية البشرية. والفرق بينها وبين المجتمع هو أولاً أنها صورة مصغرة له، وثانياً أنها يسهل التحكم في عواملها بخلاف المجتمع، وثالثاً أنها غير معقدة؛ فهي ليست إذن مكاناً للتعليم فقط، وإنما هي للأطفال دنيا يعيشون فيها ويصرفون جهودهم ونشاطهم ثم يتعلمون). . . (ومثل هذه المدرسة لا تشوق دون جهد، ولا تجهد دون تشويق، وإنما يتأتى ذلك عن ربط المادة نفسها بحياة المتعلم)
وعلى ذلك لا يكون الطفل فيها دائرة معارف متحركة فحسب وإنما يكون آخذاً بناصية الوسائل والأدوات والمصادر التي تساعده في البحث الذي يجريه بنفسه متعاوناً ومسترشداً. وهكذا يستطيع أن يعيش وينمو على أساس الديمقراطية والعلم. . .
ههنا إذن تعاون بحت، وتنافس في الكيف لا في الكم، وتعليم للحياة بالحياة، وعمل منتج ذو غاية، ودرس لمواد متصلة لا منفصلة انفصالاً لا مبرر له، واحترام للعمل والعاملين، واكتساب للنظرة العلمية التجريبية الصحيحة، علم مقرون بعمل، وغني إلى جانب فقير، وعمل طامح مستبشر يرنو إلى شيء أكثر من ورقة ممهورة بخاتم الوزير!