ومهما يكن من شيء فما دامت غاية التربية هي خلق الحياة الاجتماعية المثلى. وأعني بها تلك الحياة (التي يستطيع الفرد أن يجد فيها مجالاً لتحقيق مستلزمات حياته الأدبية والعقلية والروحية والمادية على أتم وجه بحيث يتسنى له أن ينمو ويتقدم أخلاقياً وروحياً ومادياً وعقلياً نمواً تتطلبه طبيعته وتستطيع أن تحققه الظروف مع البيئة) أقول ما دامت تلك هي غاية التربية فبجب أن نحاول تطبيق ذلك على مواد المنهج وطريقة تدريسها.
فالمادة يجب أن تكون تامة الوفاء بما تتطلبه (المرحلة) البدنية والنفسية من نمو، ويجب أن تكون محبوبة للطفل شائقة لديه لا هي بالسهلة ولا هي بالصعبة، ويجب أن تكون مستمدة من الحياة ومرنة تلائم الاختلاف بين عقول الأفراد، ويجب أن تظهر للطفل كأنها مادته الضرورية الخاصة، ويجب أخيراً أن تكون (بحيث ترتفع به إلى مستوى أرقى في العمل والشعور لا مجرد إنهاك عصبي).
وإذا كان الناقد الألماني (ليسنغ) يقول إنه يفضل (الدافع الدائم للحق) ما دام الحق الخالص ليس لغيره سبحانه وتعالى، فإننا يجب أن نتجنب حشو المنهج بالمواد ونكتفي بإثارة حب البحث في الطالب ناظرين دائماً إلى الكيف لا إلى الكم حتى يكون المتعلم دائماً ذا عقل خصب لا يهرم بكبر السن، ولا ينوء تحت أثقال معلومات مهوشة، ولا يني يبحث ويطلع بعد الدراسة محتفظاً بربيع الحياة.
وما دامت دراسة (الطبيعة) ذاتها وسيلة للاحتفاظ بالحياة وللمتعة فيها والرفاهية، فلا تعارض إذاً بين الدراسات الطبيعية العلمية والدراسات النفسية الفنية، وإذاً فليكن في المنهج ثقافة عامة توسع الإدراك وتدقق الفهم، وتاريخ وجغرافيا يزيدان في معنى التجارب الإنسانية وثروتها، وعلوم طبيعية تفتح مجالاً للعقل وتؤدي به إلى الصيغ والقوانين الكلية، ولعب يجعل الدراسة شائقة وينفس عن الغرائز، وفلسفة خلقية وميتافيزيكية واجتماعية توطد من مركز الناشئ في المجتمع والكون وتفهمه علاقة الأرض بالسماء. . .!
أما الطريقة فلا تكاد تقل خطورة عن المادة، بل أن المستحدثات في التربية لتنصب عليها بوجه خاص، ذلك أن دراسة علم النفس للطفل وقواه قد كشفت عن أصول أساسية ينبغي أن يتبعها (المعلم) في تدريسه، ومن هذه الأصول ألا تكون الطريقة (قياسية) إلا في آخر