نفوسنا في كل إدراكاتنا. وهذا هو نفس دستور بركليس القائل , ' - أي الوجود هو الإدراك. فهل العالم الخارجي موجود لأننا ندركه أم ندركه لأنه موجود؟ فبحسب دستور بركليس موجود لأننا ندركه.
ويمكننا في مناقشة أدلة بركليس أن نقتصر على ذكر الاعتراضات التي وجهها الوجوديون على هذه الأدلة؛ فقالوا إن احساساتنا ناشئة عن الأشياء الخارجية وهي منتظمة، ومتفقة لأننا نرى ما يراه غيرنا، فنحن إذن متفقون بالأشياء التي نراها. فالقوانين التي تخضع لها احساساتنا تجعلها معقولة في نظرنا. وهذا ما كان يدعو (ليبنيز) إلى القول: (إن إدراكاتنا ليست إلا عبارة عن أحلام مرتبط بعضها ببعض، بل هي أحلام ذات إحساس. أي أنها منبعثة من وجود خارجي) فالوجوديون رفضوا بذلك نظرية الخياليين وقالوا إن العالم الخارجي موجود. . .
أما البحث في طبيعة المادة فتناول الفرضيات التي دافع عنها العلماء فيما يتعلق بماهيتها وذلك يتخلص في نظريتين عامتين:
١ - نظرية الميكانيكية
٢ - نظرية الحركة
فالميكانيكية تستدل في دراسة الجسم الاعتباري الكيفي بالاعتبار الكمي. فكل التبدلات في الأجسام يمكن أن نرجعها إلى الميكانيكية وهي تتبدل بحسب تقدم العلم؛ وأول شكل للميكانيكية هو ما نجده عند ديموقريطس الذي يقول: إن العناصر الأولى في الجسم هي الجوهر الفرد (أتوم) وهو لا يُرى ولا يتناهى الجواهر الفردة من طبيعة واحدة ولكن لها أشكالاً مختلفة؛ ويتعدد هذا الجوهر الذي هو متين صلب لا يتبدل حاله ولا وزن له. فتتكون الأجسام، ولا يوجد في هذه الجواهر حرارة ولا لون ولا صوت. فهو يؤكد أنه لا يوجد شيء محسوس في هذه الحقيقة الوجودية التي سماها جوهر أفرد. لذلك قال: إن الجواهر لا كيفية فيها بل هي كمية؛ فهو يقربها من صفة حسية. ويمكن اعتبار نظريته هذه كتجربة أولى علمية لتوضيح الأشكال بصورة أولى ميكانيكية. ومن أشهر الفلاسفة الذين طبعوا على غرار ديموقريطس هو (أبيقور) فقد نسج في ذلك على منواله وزاد عليه بإعطائه الجوهر الفرد قوة الانحناء أي جعله يستطيع أن يغير الجهة التي يتحرك فيها إذ