والشكل الآخر للميكانيكية هو نظرية (ديكارت، وسبينوزا) اللذين يعتقدان أن جميع خواص الأجسام يمكن إرجاعها إلى الحركة. ومن هنا نشأت جملة ديكارت المشهورة (أعطني حركة وامتداداً وأنا أكوِّن العالم). ولكن هذا القول يحتاج إلى برهان بل إلى براهين. فديكارت يعتقد أن الحركة والامتداد هما العنصران الفعالان في تكوين هذا العالم؛ وقد أنكر بذلك قدرة الإله وأثبت الفاعلية لأحد مخلوقاته الذي لا يستطيع أن يغير حالة سكونه بدون قوة إلهية تسيطر على الامتداد وتهيمن على الحركة فتبعث فيهما الحياة. ويظهر لنا أن رأي ديكارت فاسد، وإن كان قصده بالامتداد العاري عن كل صفة حسية كالحرارة واللون أي هو الحيز الهندسي الذي لا يوجد فيه آتوم حسي بل هو الفراغ اللانهائي.
ولقد تطورت الميكانيكية بعد ديكارت تطوراً هاماً؛ ففي العصر الحاضر، ليس الجوهر الفرد كما كان عند ديموقريطس وأبيقور بسيطاً لا يتجزأ بل هو مختلف عن رأيهما كل الاختلاف. فمبدأ الاحتفاظ بالقوة وتناقض القدرة وخاصة تشعع الراديوم هو الذي جعلهم يعتبرون الآتوم مركباً من الإلكترونات السالبة التي تدور حول عقدة مركزية موجبة ومسافاتها كنسبة بعد الأرض عن الشمس. . . فإنهم يكادون يرجعون كل الأجسام إلى عنصر واحد، حتى أن (غوستاف لوبون) قال: إن هذه الآتومات تسبح في أثير سيَّال غير مادي تتكون منه جواهر الأشياء.
يستند أصحاب هذه النظرية إلى الإحساس، فقد قال أحدهم (هلمولتز) إن الإحساس نسبي؛ فكثيراً ما يكون المؤثر واحداً وتختلف الحساسية ويختلف الإحساس وبالعكس. فالاختلافات الظاهرة في العالم الحسي ناتجة إذن عن اختلافات الحس الموجود. لذلك قيل: إن عنصر الأشياء هو واحد؛ ولهم أدلة أخرى يصلون بها إلى إثبات وصف الحادث وهي التجارب التي قام بها (هوبكنس) و (دوفريل) و (آراغو) وهي مسألة الاهتزاز والانتشار للنور. ولكنه ظهر أخيراً أن النور يكون بالتموج.
وعندما ظهرت هذه الأدلة قبلها العلماء في بادئ الأمر ظناً منهم أنها منتجة. ثم انتقدها كثيرون وأثبتوا بُعْدَها عن كنه الحقيقة. فدليلهم الذي يعلنون به أن القدرة في العالم لها كمية ثابتة لا يسمح لنا بإرجاع كل القدرة إلى قدرة واحدة. وأول شيء يجعلنا نحجم عن قبول