ولقد كان القصر على بعد فرسخ أو نحوه من النجوة، ولقد كان قصراً عتيقاً من عهد شارل التاسع، ولكن الغابة كانت مع ذاك أقدم منه عهداً. . . بل كانت هي هي الغابة منذ كانت هناك غابات في جنبات فرنسا، ومنذ كان جد ماري ملكاً عليها في بطن الأزل!!
وذكرت ماري هذا الجد الملك، فسرى في أعطافها الكبر القديم الذي ما يفتأ يسري في أعطاف آبائها وأهلها. . . وللحال آمنت أنها جديرة بقلب هذا النبيل، وأنه سيكون فخوراً بها!!
ونظر النبيل إلى جنبات الغابة فتغيرت في عينيه صورتها الجافة الخريفية التي انطبعت فيهما منذ الصباح، وصارت جنةً فيحاء آهلة بالحور العين أمثال اللؤلؤ المكنون، منضورة بالورد عبقة بأريج الرياحين كهذه الجنة التي وعد المتقون! لماذا؟ لم يدر الرجل. . . لكنه كان يؤول كل ذلك بوجود ماري الجميلة إلى جانبه. . . ماري، التي غيرت نظرته إلى الحياة، فجعلتها مشرقة باسمة، بعد أن كانت قمطريراً كالحة، لا تصلح لهذا العبث الذي كان يقرأ عنه في الكتب، والذي سماه الشعراء بالحب. . .
ولم تزل ماري تسلك بالرجل في هذا المنعرج وذاك المنعرج، ولم تسير به في متائه كثيرة، وتخطو به في فجاج كلهن مصائد وفخاخ نصبها أبوها للأرانب، حتى وقفا آخر الأمر لدى بوابة عتيقة. . . هي من غبر شك أعتق من القصر الذي تؤدي إليه وأذهب منه في البلى.
وكانت البوابة صغيرة واطئة، فصاحت ماري فجأة وهي تقول:(أوه يا سيدي! لن يستطيع حصانك أن يدخل من هنا. . . أوه! لقد نسيت، ليتني ذهبت بك إلى باب القصر!).
فتضاحك النبيل ثم قال:(ليس هذا شيئاً. . . إني سأربطه هنا، وهو ينتظرني كما تنتظرك. . . ما. . . ما. . . ما اسم عنزك؟).
- مارجوت يا سيدي.
- مارجوت! إي والله مارجوت. . . ولكن ما سنُّك يا عزيزتي؟
قال ذلك وقد أرسل أصابعه المرتعشة تربت تحت ذقنها الجميل وعينيه المشوقتين تسبحان في جمالها الريان!