ولم تفتأ ماري تستعيد الذكريات الحبيبة التي لم تمضي عليها هنيهات. . . ولم تفتأ تردد هذه النداءات الجميلة (يا جميلتي. . . يا صغيرتي. . . أوه شيري!! يا عزيزتي. . . إلى هذه المترادفات التي يمتلئ بها قاموس الحب، وألواح الغزل الإلهية المقدسة. . .
هل هو حلم؟!
نبيل من أماثل نبلاء فرنسا يحب هذه الريفية الساذجة التي لا قيمة لها إلا مسحة من الجمال؟ هذا النبيل العظيم الذي يملك أن تكون له جنة من حسان باريس، تشغفه هذه القروية من بنات الغاب؟ بل هو حلم. . . بل هو حلم!
وعادت إلى البون بك ففكت رباط مارجوت، وحملت سلة أشغالها، وعادت أدراجها إلى كوخ أبيها مصدعة القلب، واجمة الروح، كاسفة البال، لا تفكر إلا في هذه اللحظة التاعسة التي لقيت فيها هذا النبيل. . أولم تلقه. . لأنها ظنت أنها كانت تحلم!
وأقبل أبوها فأعدت له عشاءه فالتهمه، ثم انبطح على فراشه الخشن فلم يلبث أن نام، وراح يغط في سبات عميق.
وجلست هي في غرفتها تجتر أحلامها، وتصور الحادث الأكبر الذي زعمته حدث لها. . . ولكن رنين القبل على. . . جبينها. .! كان ما يزال يرن ويطن. . والنداءات الغزلية كانت ما تزال تتردد في مسمعيها. . .
وانهزم الظلام فجأة فهبت إلى النافذة فرأت القمر ينبثق من الأفق الشرقي، ويكسو بنوره الأحمر البركاني جوانب السماء الرهبة. ثم ارتفع مليك الليل رويداً فابيض نوره، وجعل كلما ارتفع ينشر في الوجود أضواء ولآلئه. . . فاعتزمت ماري أن تخرج إلى موعدها. . . ولو كان حلماً حقاً. . .
وانسرقت الفتاة في ظلام الكوخ الذي كان يملأه شخير أبيها النائم رهبة ثم انفتلت إلى الغابة. . . الغابة الفضية الصامتة التي كانت حينذاك أشبه بمعابد الهنود، فجعلت تنسرب في شعابها وكلما تحرك غصن أو برز أرنب وجلت المسكينة وجلاً شديداً، وهي كانت تحرس الغابة في الليالي المظلمة من الذؤبان والسباع. ثم لم تزل تسير في هرولة. . . ولم يزل قلبها يخفق ويدق. . . ولم يزل خيالها يمتلئ بالمخاوف. . . حتى كانت عند البوابة