فهو ينعى على أولئك الذين يجعلون العلم وسيلة لتصدر المجالس، ولنهب المساجد والكنائس، ويعيب عليهم ذلك. ولعل هذا هو السبب الذي دعا ابن خفاجة إلى أن يعرض عن مجالسة علماء عصره وأن يصدف عن مجالس العلم ومسائل الفقه، وأن يقتصر في مجالسه على مجالس الأدباء والشعراء، وأن يقتصر في أحاديثه على ذكر المتنزهات، وأن يقتصر في شعره على وصف الطبيعة:
هذه هي الصورة الواضحة التي نراها للرجل في شعره. نفس تميل إلى السرور والبهجة وطبيعة تهرب من الجد إلى الهزل، ومن الانقباض إلى الانشراح، ومن اللذة الآجلة إلى اللذة العاجلة، ومن التحجب والحياء والتكلف إلى اللهو والعبث والمجون. فليس بغريب أن تميل هذه النفس وتلك الطبيعة إلى مجالس السرور والطرب وإلى معاطاة المدام، وليس بغريب بعد هذا أن يصف ابن خفاجة في شعره مجالس أنسه، وأن يصور لنا بمقطوعات رائعة الأنهر الفياضة والضفاف الخضراء والرياض الفيح.
وصف الطبيعة: -
وفي وصفه مناظر الطبيعة وفي تشبيهه إياها بمناظر وأشياء تشابهها لا يخرج في كل هذا عن الطبيعة في شيء. فيشبه النهر المتعطف والأزهار النابتة حوله بمجرة السماء.
متعطف مثل السوار كأنه ... والزهر يكنفه مجر سماء
ويشبهه أيضا وقد حفت به الغصون بأهداب العين الزرقاء
وغدت تحف به الغصون كأنها ... هدب يحف بمقلة زرقاء
ويصف موقد قد اشتعلت فيه النار فيقول:
منقسم بين رمادأزرق ... وبينجمرخلفه يلتهب
كأنما خرت سماءفوقه ... وانكدرت ليلا عليه شهب
فهو في وصفه الطبيعة لا يخرج عن الأوصاف والتشبيهات التي تحتويها الطبيعة: فالنهر المتعطف والأزهار النابتة حوله، وزرقة النهر وأغصان الأشجار القائمة على شاطئيه، والموقد المشتعل، والرماد الأزرق والجمر الأحمر، كلها مناظر طبيعية؛ كذلك مجرة السماء والمقلة الزرقاء والسماء المتساقطة، والشهب المنكدرة كلها مناظر طبيعية، من هذا يمكنك