وينتظم الكهنة صفوفاً أمام المذبح الكبير، ويبدأ رئيسهم إنشاده، فيأخذون في ترتيل جميل، وتركع (تي)، ويركع آنبو، ويصليان مع الكهنة. . . حتى إذا فرغ الجميع من صلاتهم خلا رئيس المعبد إلى آلهته، ثم أقبل على نائب الملك وأقبل على تي بوجه مشرق متهلل وهو يًسِّبح ويقول:(بخير. . .)
(بخير؟! وأي خير في أن تختفي عروس فرعون، فإذا آب من حرْبه لم يجدها؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يلقاه حين يصل إلى طيبة فلا تكون عروسه أول من تلقاه بها حاملةً له باقةً ناضرةً من أزهار اللوتس المقدسة؟ واأسفاه عليك يا ابنتي؟ وواأسفاه على الأحلام الضائعة!)
وهكذا راحت تي تندب حظها، وتذرف الدمع من أجل ابنتها، وكلما زارها كبير الكهنة فواساها لم تلق بالها إليه، حتى اساقطت نفسها أنفساً، وحتى براها الحزن، وشفها الوجد، وأوهاها طول البكاء
وكتموا الخبر حتى لا يصل إلى فرعون فيفت في عضده، ويوهي من جَلَده، ويكون سبباً فيما لا يوده له إلا عدوه
ثم أرسل تحتمس رسالة إلى عروسه أخذتها أمها، فلما فَضتها، انهمرت عيناها بالدموع الحِرار من أجل حتاسو، التي أرسل الملك يخبرها أنه اجتاز حدود مصر إلى بلاد الأعداد، وأنه يقبلها على هذا البعد الشاسع بينهما، ويسألها أن تصلي له وتركع بين يدي آمون رع من أجله. . . ومن أجل مصر. . . التي يفتديها الجميع، ويعيش من أجلها الجميع، ويموت في سبيلها الجميع
واضطرت الأم المحزونة أن تزور رسالة تبعث بها إلى صاحب الجلالة على لسان عروسه تشكره فيها وتتمنى له الخير والنصر؟ وكانت الرسالة جافة خالية من روح الحب الذي يملي على صاحبه ويوحي إليه، ويُنضر طِرْسه بألوان الورد، ويعطره بأنفاسه. . . فلما قرأها تحتمس هاجت الوساوس في قلبه، وإن يكن قد تجلد وصبر
ولقي فرعون أعداءه. . .
وكانت جيوشهم تغمر السهل والجبل، وقنابلهم تزحم البر والبحر، وهم على كثرتهم سابغون