في دروعهم مُقَنعون في حديدهم، تصهل خيلهم فتتجاوب أصداؤها في جنبات الوادي وترغى فتشق عنان السماء. . . وقد آنس الملك ضعفاً وقلة في ميسرتهم فانقض عليها بميمنته، واستطاع بعد عناء أن يزحزحها، لكن المدد الذي وصل من وراء المجثبتين أفسد على فرعون خطته، فتقهقر قليلاً ليأمن التفاف الأعداء، الذين غرهم نكوص ميمنة مصر، فهجموا بجموعهم كلها؛ وحمى وطيس القتال في القلب والميسرة والميمنة. . . وثار النقع. . . وارتفع أنين القتلى في كل مكان. . . وانطلق عزيز النيل يصيح في جنوده ويحرضهم ويثبت أقدامهم، ويذكرهم بمجد بلادهم. . . وكانت كلماته تثير فيهم الحمية، وتلهب صدورهم بنار الوطنية، فيهجمون غير مبالين، وينقضون على أعدائهم غير هيابين، حتى زلزلوهم عن مراكزهم. وزادهم حماسة أن رأوا قلب الحثيين ينتقض على قادته، ويولي بعض عساكره الأدبار، فاقتحموا وراءهم الحلبة وأوقعوا فيهم حتى أثخنوهم. . . وأبصرت ميمنة الحثيين وميسرتهم ما حل بالقلب فبهتوا، وخارت عزائمهم، وساعد ذلك المصريين فانقضوا عليهم كالصواعق من كل مكان. . .
وظن المصريون أنهم ظهروا على أعدائهم فجعلوا يتصايحون ويهتفون، ويهنئ بعضهم بعضاً، والعدو ما يزال صامداً في مكانه. وفطن قائد الحثيين إلى ذلك فبدا أن يذهب له في كوكبة من أشجع فرسانه فيلتف بمركز القيادة في صفوف المصريين الخلفية وسرعان ما أنفذ الفكرة
وكادت حيلة القائد تنجح، لولا أن فطن إلى ذلك أحد فرسان المصريين فصاح ببعض ضباط الجيش قائلاً:(أيها الجنود دافعوا عن ملككم. . . الحثيون يوشكون أن يحدقوا به). وتلفت الضباط فرأوا كوكبة الحيثيين مسرعة إلى مركز القيادة
فصاحوا بجنودهم، وانطلقوا في أثر الفارس الذي نبههم فاشتبكوا مع الأعداء في ملحمة هائلة، أبلى فيها بلاءً حسناً. . . وهرب الحثيون. . . ولكن الفارس المسكين سقط جريحاً، وانبطح من فوق جواده بين القتلى العديدين. . . وتقدم إليه فارسان شجاعان فحملاه إلى المعسكر حيث ضمدا جراحه وجلسا عند سريره يواسيانه
وانتصر فرعون مصر، وطهر الأرض من رجس الحثيين! وعاد إلى معسكره فمنح الفارس الجريح أسمى ألقاب الجيش ورفعه إلى مرتبة قائد، ثم ذهب إليه بنفسه فأبدى له إعجابه