بالجامعة المصرية إلا بعد مئات من السنين. وستكون لكلية الآداب جهود مشكورة في درس النثر الفني في الأدب الطبي!
ألا فليعلم الجمهور الذي يخلفنا بعد مئات السنين أن الأدب أضاع ثلاثة من الأطباء كانوا يعيشون في مصر، وهم محجوب ثابت، وأحمد أبو شادي، وزكي مبارك
ولكن هل ضاع محجوب ثابت؟ وكيف؟ لقد اشتغل بالتمثيل السينمائي فنجح أعظم نجاح. وقد تفضل سعادة الأستاذ طه الراوي وكيل وزارة المعارف العراقية فدعانا منذ ليال لتناول طعام العشاء. وعلى المائدة تحدث الأستاذ منير القاضي فأشاد بنبوغ محجوب ثابت في التمثيل وجزم بأنه أبرع من الممثل زكي طليمات. وعندئذ أحسست الغيرة تلهب أحشائي، فهذا زميل أضاعه الأدب وحفظه التمثيل
وأبو شادي أحيته المعامل البكتريولوجية، فهو يفحص (عينات) الجراثيم ثم يخلد أصنافها بالشعر البليغ. أما زكي مبارك فقد أضاعه الأدب جملة واحدة. وإني لأخشى ألا يستمع إليه أحد إن وصف لمريض شربة زيت؛ ومع أنه ظفر بألقاب كلية الطب وكلية الآداب فقد ضاع في الكليتين، فهو عند كلية الآداب رجل طبيب، وعند كلية الطب رجل أديب، وعند الله جزائي!
ومما زاد البلاء أنني صرحت بأن ليلى تقيم في شارع العباس ابن الأحنف، وهو شارع معروف في بغداد، فما الذي كان يمنع من اختراع أسم موهوم أضلل به أهل الفضول؟ كذلك أمسيت في حيرة وارتباك، فما توجهت إلى ليلى إلا رأيت الشارع يعج بالمتطلعين. ويحسن النص على أن المدنية الحديثة جنت على بغداد أعظم جناية، فليس فيها شارع ولا حارة ولا درب ولا عطفة إلا وهو مضاء بالكهرباء، وبذلك ضاع علينا الحظ الذي كان يتمتع به المتنبي إذ يقول:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي
وفي بغداد شرطة لا تعرف التغافل الظريف الذي تصطنعه شرطة باريس. وليلى نفسها لا تخلو من عنجهية البدويات، وأنا نفسي لا أحسن الصبر وهو أقل ما يتخلق به الأطباء
وفي معمعة هذا الكرب وقع حادث ظريف، فقد تلقيت صكاً من مجلة الهلال على بنك إيسترن في بغداد، تلقيته في ساعة ضيق، فمضت إلى البنك لأتقاضاه وأنفق محصوله على