ولكن إدارة البنك رفضت تسليم المبلغ الميمون وقالت: هات جواز السفر، أو أحضر رجلاً يعرفك. فقلت: أما جواز السفر فلا سبيل إليه لأن المطر ينهمر والطريق كله أوحال. وأما البحث عن رجل يعرفني فهو سهل، ولكنه لا يتم بدون فضيحة البنك. فقال فريق من الموظفين: وكيف؟ فقلت: لأن مما يفضح بنك إيسترن أن يجهل زكي مبارك وهو رجل يشار إليه بالبنان في كل أرض، وفي صدره ودائع أغلى وأنفس مما تحفظ أقوى الخزائن في أعظم البنوك. وعندئذ ضج موظفو البنك بالضحك والقهقهة الساخرة؛ ولكن أحدهم ترفق وقال: أنت الطبيب الذي جاء يفتش عن ليلى والذي ينشر نتائج بحثه بمجلة الرسالة المصرية؟
فقلت: نعم!
فالتفت ذلك الموظف إلى زملائه وقال: يا جماعة. هذا هو الطبيب الذي جاء يفتش عن ليلى!
وما كاد يفوه بهذه الكلمات حتى أقبل الموظفون لمصافحتي. وفي لحظة واحدة تسامع مَن في البنك بقصتي، وقد استظرفوني جداً، بالرغم من أني أحمل أنفاً أعظم من أنف ابن حرب، كما قال الأستاذ حسن فهمي الدجاني، زميلي في أيام البؤس، يوم كنت تلميذ الشيخ سيد المرصفي بالأزهر الشريف. وصحبني ذلك الموظف إلي مكتب المدير فشربت عنده كأساً من قهوة أبي الفضل لا قهوة أبي نواس. ولم يفتني أن أسأل عن اسم ذلك الموظف الأديب الذي يقرأ مجلة الرسالة وهو في البنك - وتلك إحدى الأعاجيب - فعرفت أنه يسمى ألبرت داود يعقوب، فمضيت وأنا أرتل الآية الكريمة:(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين)
فقد نفعني الأدب في بنك إيسترن، فهل ينفعني عن ليلى؟
وهل نفعني الأدب عند عروس دمياط حتى ينفعني عند عروس بغداد؟
أمري إلى الهوى!
ظهر المقال الثاني في مجلة الرسالة وفيه كلام عن وزير المعارف ورئيس الوزراء، وقد صارحني الأستاذ عبد الجليل الراوي بأن لذلك عواقب. . .