للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن طلبها المزيد من هذا الاحتكاك الذي يمغطسها ويتركها ذاهلة ماضية إلى غير وجه الحياة الذي يمضي عليه الناس. . .

ولكن لا. . .! بل يا لذتي من غريزة التكوين والتخريب هذه التي تريني كل شيء كامل كومة من الأنقاض. . . وكل شيء مخرب خلقاً سويا. . .!

أليس الرجل طفلاً كبيراً؟

يلذ لي أن أراقب الناس وقتاً طويلاً في الشارع، وأشبع عيني وما وراءها من أنواعه واختلافه. . . لأزداد به جهلاً. . .

بل إني أذهب إلى (السينما) لأراه في جميع بقاعه وألوان معاشه واختلاف سحنه وألوانه ولغاته، لأخرج بعد ذلك مبلبل الفكر فيه في سوء ظن تارة، وفي إحسان تارة أخرى

بل إني أطوف كل يوم قبيل نومي بخيالي عليه في جزره النائية في المحيطات، وفي القطبين، وفي خط الاستواء، وفي هضبة التبت، وفي سفوح الهند، وفي رمال العرب، وفي. . . وفي. . . لأعيش في غيبوبة الصحو قبل غيبوبة النوم!

لقد رأيته قاتلاً ومقتولاً. . . جنينا محمولاً وميتاً ملحوداً. . . عاهراً وناسكا. . . جميلاً وقبيحاً. . . رجلاً يشعر وجهومة، وامرأة بزينة ونعومة. . . عالماً يضيء استراليا وهو في أوربا، وجاهلاً فدْماً عارياً آبداً عاجزاً أن يعد أصابع يده. . . فذهبت من نفسي قداسته وانحطت هيبته. . .

والذي حارت البرية فيه ... حيوان مستحدث من جماد!

أجل! إني رأيت مخه. . . ورأيت قلبه. . . فلم أر شيئاً غريباً عما آكله من الغنم والثيران. . . ولذلك كفرت بالجسد كفراً لا إيمان بعده أبداً. . . ورحت أبحث عن الإنسان - ذلك المجهول. . . فلم أعثر إلا على لمحات عنه خلال كلمات ليست منه وإن كانت بألفاظه. وهي كما رواها محمد:

(إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد)

(وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون. . .)

(ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم. . .)

(هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً. . .)

<<  <  ج:
ص:  >  >>