والمعرفة، ويفوز منها قلبك بكثير من البهجة والانشراح، وتطيب بها روحك على خير ما تطيب به الأرواح من ذكر الماضي وأثر الدين؛ غير أني أحب لك أيضاً أن تكون صبوراً مع هيكل ما وسعك الصبر، إذ تراه يسير سيراً بطيئاً فيقف بك عند كل أثر من آثار الرسول، ينبش الماضي، ويسأل التاريخ، ويفحص المعالم، ويستوحي الروح، ويحكم العقل، ويقارن بين ما يرى وما يسمع، فإذا طفت معه مثلاً في أنحاء مكة الحديثة، فكن شديد الاحتمال إذ تراه يدخل بك في كل زاوية، وينعطف بك على كل ثنية، وينحدر بك إلى كل مغار، ويرتفع بك إلى كل نجد، ويدفعك دفعاً حتى بين النؤى والأثافي، والأحجار والصخور، ويقف بك عند كل أثر ظاهر، وكل مظهر قائم. وإذا ما صحبت هيكلاً مثلاً إلى أسواق العرب فاصبر إذ تجده يطيل عليك فيحدثك عن الأسواق الثلاث في العهود القديمة، ويتلمس لك موقع المجنة وموقع ذي المجاز، ويكشف لم عن أسباب الخصومة في الأسواق العامة؛ ثم يحدثك عما كان يجري في عكاظ وعن موقف النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السوق، ثم يسرد الأقوال التي قيلت في ذلك من قبل محاولاً أن يطبقها على ما يرى وأن يقيسها بمقياس العقل. نعم أحب لك أن تكون صبوراُ مع هيكل إذا رأيته في جميع المواقف يبحث ويتقصى ويطيل النظر والتأمل فإنه إنما يقف بك على آثار ومعالم لحياة قوم ملئوا الدنيا بمجدهم، وأسعدوا العالم بهديهم، وأفعموا التاريخ بذكرهم. أما نفس هيكل في هذه المواقف فهي نفس مطمئنة يقول هو عنها بأنها (قد سمت إلى حيث لم تسم من قبل قط) وهو يحدثك عن شعوره في ذلك فيقول: (رأيت نور الله ماثلاً في كل دقيق وجليل من خلقه، ورأيت آية الهدى متجلية يشهدها كل من أراد أن يفتح لها قلبه وبصيرته، ورأيت سنته في الكون تبتدى لكل من أخلص إلى الحق وجهة ثابتة لا تبديل لها، رأيت هذا كله رأى العين، وآمنت به إيماني بما يقع عليه حسي، وما تلمسه يدي، وأيقنت أن العلم بهذا كله هو الحياة الراضية المرضية)
وما نفس هيكل في ذلك وشعوره إلا طراز من النفس السامية على حقيقتها، وتمط من الروح الشرقية التي تمجد الدين أبداً، وتقدس المعنويات أبداً، إذ ترى سعادتها في الروحيات أكثر منها في الماديات
والظاهر أن هيكلاً في حياته الروحية الجديدة قد اتصل بالقرآن اتصالاً وثيقاً، وتغذى