فالمعول فيما كنا نبحثه من اختلاف وصف الأبطال في القصص بين العصور القديمة والعصور الحديثة إنما هو على شعور الناس بها، أو تعلق (الحاسة الاجتماعية) بموضوعها، وليس المعول على حدوثها في عالم الواقع أو تسجيلها في دواوين العلماء
و (الذرة) بعد لا يكشفها إلا عالم أو مشتغل بعلم وصناعة؛ أما البقاع فيكشفها كل من شاء الرحلة من المغامرين، ويعني بها كل من قعد وراءهم من المتخلفين، ويشتغل بها من يراقب الجماهير ويدرس النفوس ويسجل أطوار الشعوب والأفراد. فهي لا تنعزل عن الحياة الاجتماعية ثم الحياة النفسية التي هي موضوع الروايات ومحور وصف الأبطال، وليست كذلك كشوف الكواكب أو كشوف الذرات
ولعل فيما تقدم توضيح ما التبس على الأستاذ (أديب) فهو غني عن المزيد من التوضيح
وقد كتب إلينا الأستاذ عبد الحميد العبادي يسأل عن كتاب الدكتور ويلكوكس وأسمه باللغة الإنجليزية، فذكرنا هذا الاسم في العدد الـ (٢٣٦) من الرسالة، ووعدنا بالإجابة عما استوضحه الأستاذ من أثر الطريقة الزراعية الحديثة في أحوال العالم بأسره، وأنه ربما فاق في اتساعه وبعد مداه أثر الانقلاب الصناعي منذ قرن من الزمان
أما شرح الطريقة الزراعية العلمية التي تكفل لكل قطر من الأقطار أن يعيش على موارده الداخلية فليست الرسالة محله، ولسنا نحن أصحاب الاختصاص فيه
وأما الأثر الاجتماعي فيستطاع العلم به إذا عرفنا ما كان من أثر الانقلاب الصناعي في القرن الماضي، وعرفنا البواعث التي أفضت إلى ذلك الأثر ولا تزال تفضي إليه
إن الانقلاب الصناعي قد أحوج الدول إلى مستعمرات لجلب (الخامات) وبيع المصنوعات وتسخير الأيدي العاملة بأبخس الأجور
وإن الانقلاب الصناعي قد أخرج للأمم طبقات العمال وأثار بينهم وبين أصحاب الأموال ذلك الصراع الذي قوض ما قوض من دول، وأقام ما أقام من مذاهب في السياسة والدين والأخلاق
وإن الانقلاب الصناعي قد أذكى ضرام التنافس بين الحكومات، وأنشب ما أنشب من حروب وثورات
فكل هذا يتغير لا محالة إذا استغنت كل أمة عن الخامات واستغنت عن الأسواق