للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هنا رجل من الأحياء، وهناك رجل في التاريخ، وشتان بين هنا وهناك؛ فما أتحدث اليوم عن خصومة قائمة، ولكني أتحدث عن ماض بعيد. والرافعي الذي يحيا بذكراه اليوم بيننا غير الرافعي الذي كان، فما ينبغي أن تجدد ذكراه ماضيَ البغضاء، وهذا عذيرى فيما أذكر من الحديث. . .

لم يكن بين الرافعي والعقاد قبل إصدار الطبعة الملكية من إعجاز القرآن غير الصفاء والود؛ فلما صدر هذا الكتاب في طبعته الجديدة أحدث بينهما شيئاً كان هو أول الخصام. . .

حدثني الرافعي قال: (سعيت لدار المقتطف لأمر، فوافقت العقاد هناك، ولكنه لقيني بوجه غير الذي كان يلقاني به، فاعتذرت من ذلك إلى نفسي بما ألهمتني نفسي، وجلسنا نتحدث. وسألته الرأي في إعجاز القرآن، فكأنما ألقيت حجراً في ماء آسن. . . . . . ومضى يتحدث في حماسة وغضب وانفعال، كأن ثأراً بينه وبين إعجاز القرآن. ولو كان طعنه وتجريحه في الكتاب نفسه لهان عليّ، ولكن حديثه عن الكتاب جره إلى حديث آخر عن القرآن نفسه وعن إعجاز وإيمانه بهذا الإعجاز. . . . . . أَصدقك القولَ يا بني: لقد ثارتْ نفسي ساعتئذٍ ثورة عنيفة، فكدت أفعل شيئاً. إن القرآن لأكرم وأعز. . . ولكني آثرت الأناة. . .)

قال الرافعي: (وأخذت أناقشه الرأي وأبادله الحوار في هدوء وإن في صدري لمَرجلاً يتلهب؛ إذ كنت أخادع نفسي فأزعم لها أنه لم يتخذ لنفسه هذا الأسلوب في الهجوم على فكرة إعجاز القرآن إلا لأنه حريص على أن يعرف ما لا يعرف، وعلى أن يقتنع بما لم يكن مقتنعاً به؛ فأخذت معه في الحديث على هدوئي وثورة أعصابه. . . ولم أفهم إلا من بعدُ ما كان يدعوه إلى ما ذهب إليه. . .)

قال: (لقد كان العقاد كاتباً من أكبر كتاب الوفد، ينافح عنه ويدعو إليه بقلمه ولسانه عشر سنين، وإنه ليرى له عند (سعد) منزلة لا يراها لكاتب من الكتاب، أو أديب من الأدباء، وإن له على سعد حقاً؛ ولكن سعداً مع كل ذلك لم يكتب له عن كتاب من كتبه: (كأنه تنزيل من التنزيل، أو قبس من نور الذكر الحكيم) وكتبها للرافعي وليس له عليه حق مما عليه للعقاد. . .)

<<  <  ج:
ص:  >  >>