للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقصمت ظهره، ثم هرولت إليه فحملته وأنا فرح بهذا الصيد، وما كدت أمضي حتى لقيني الحاكم صاحب المزرعة نفسه وانطلق يسبني ويلعنني، ويرميني بكل موبقة، ويشتمني فيقول ويقول. . . ثم أمر بالقبض علي، وإحضاري أمامه لأثبت شخصيتي وليرى إن كنت متشرداً أو جَوّاب آفاق. . . وقد وقفت أقبل الأرض بين قدميه وأترضاه واستعطفه، ثم جعلت أسرد له ما أعرف من أرومتي ونشأتي وآبائي، حتى لم أبق شاردة ولا واردة إلا قصصتها. ولكنه وا أسفاه تجهم وقال: إني لم أستطع أن أثبت له شخصيتي. . ثم حوكمت بعد هذا - أعاذك الله - بتهمتين عجيبتين، أما إحداهما فخرق قوانين الدولة بما قصمت ظهر الأرنب، وأما الأخرى. . . فلأني فقير معدم. . . لا أمامي. . . ولا ورائي! وأرسلوني إلى نيوجيت بلندن لأنفى من أرض الوطن في زمرة المجرمين والمتبطلين

(وبالرغم مما يزعمه الناس عن الحياة في السجن، فلقد وجدته لطيفاً ظريفاً كما وجدت أي مكان غيره في العالم. . وماذا غير أن يأكل الإنسان ويشرب ملء بطنه، وينام ملء عينيه، دون أن يعمل عملاً ما. . .! لعمري لقد كنت أوثر أن أبقى هناك إلى الأبد، لو لم يأخذوني بعد خمسة أشهر إلى الميناء، حيث شُحنت أنا ومائتان غيري من ذوي البطالة في فُلك كبيرة، ما لبثت أن همت بنا في موج كالجبال إلى مزارع المستعمرات وراء البحار وقد تركونا لكثرتنا الهائلة ننام في ممر ضيق بين القمرات، فاختنق من اختنق، وعاش من عاش، وكانوا يقذفون بمن مات في اليم ليدفن في بطون السمك، وتالله لقد دفن فيها نصفنا أو يزيد. . . أما من نجا، فقد اعتل جسمه وخارت قواه، وهُزل هزالاً شديداً

(وبلغنا الشاطئ، وباعونا كالرقيق للمزارعين، وظللت أفلح الأرض مع العبيد، ولو قد تعلمت الهجاء لنجوت من حمارة الشمس الاستوائية، ولقمت بعمل أسهل. . . ولا أطيل عليك، فلقد لبثت في عملي المتصل سبع سنين سُرِّحنا بعدها وهفا القلب إلى الوطن. . . واشتاقت النفس إلى إنجلترا الأم التي أهواها من كل قلبي، وأخلص لها الحب من أعماقي، فلبثت أياماً أفكر في الأوبة وأعد ّلها عُدّتها، وحرصت على ألا أقع فيما وقعت فيه من قبل من تهمة البطالة والتشرد، فلم أذهب قط بعيداً عن حدود المدينة، بل رحت أذرعها مشرقاً ومغرباً وأنتظر يوم الرحيل. . واستعنت بأداء بعض الأعمال التافهة على التوقي من أعين

<<  <  ج:
ص:  >  >>