وكنت أشعر بسعادة عميقة أثناء هذه الفترة التي تسبق عودة النازح إلى أرض الوطن. . . ولكن. . . حدث ما لم يكن قط في حسباني، فبينما كنت عائداً أدراجي من بعض عملي إلى منزلي، إذا رجلان قويان يلكمانني لكماً كاد يحطم رأسي، وإذا بي أهوي إلى الأرض في غير وعي. . . حتى إذا أفقت إذا هما يأمرانني أن أنهض ثم إذا هما ينطلقان بي إلى الحاكم الذي يطلب إلى ما يثبت شخصيتي! حتى إذا عجزت هذه المرة كما عجزت في الأولى، تُرك لي أن أختار إحدى اثنتين لا ثالثة لهما، فإما أن أنطلق من فوري فأعمل بحاراً على ظهر مركب يوشك أن يبحر أو أن أنضوي إلى صفوف الجند فأحارب أعداء المملكة. . . ولم يكن بد من أن أختار الجندية التي شعرت فيها بكرامتي خصوصاً بعد أن حاربت في وقعتين كبيرتين هما معركة الفال الخالدة، ومعركة فونتنوي التي لن أنساها ما حييت. . . ولم يمسسني ضر في أي منهما، اللهم إلا جُرْح هنا. . . في هذا المكان الرحب من صدري، استطاع طبيب فرقتنا الحاذق النطاسي أن يشفيه سريعاً
(وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، ودخلنا في السلم كافة، سُرّح كثير من الجنود فكنت منهم. . . ولم استطع أن أضطلع بالأعمال الشاقة التي كنت احتملها من قبل، لأن جرحي كان يَنْغَل أحياناً فيؤلمني ويقعدني عن أي عمل. . . ثم انضممت إلى جيش شركة الهند الشرقية فحاربت الفرنسيين في ست معارك دامية، أبليت فيهن جميعاً بلاء حسناً، ولو كنت قد أسعدني الحظ فثقفت بالكتابة والقراءة لارتقيت إلى مرتبة (أونباشي). . . وشاء الجد العاثر أن يلم بي مرض يقعدني عن الحياة العسكرية المقاحمة، فيهيج في قلبي حنينه القديم، وفي نفسي توقها إلى الوطن؛ فأنتوى الأوبة من جديد، وإن في جيبي لأربعين جنيهاً حمراً رنانة. . . وكان ذلك في إبان الحرب الحاضرة؛ وكم كنت أحلم أحلاماً لذيذة سعيدة إذ أنا على ظهر الفلك، وأفكر في كيف أنفق هذا القدر غير القليل من الذهب الوهاج. . . . وكانت الحكومة في حاجة ماسة إلى الرجال، فلما أهابت بأبناء الوطن انضويت إلى الصفوف وأنا في عرض الحر، فعملت بحاراً في إحدى وحدات الأسطول، من غير أن تكون لي أية دراية بأعمال السفانة الحربية ولا غير الحربية. . . . وطالما اتهمني الربان بأني أعرف من الأعمال البحرية ما أنا مخفيه، إيثاراً للعمل الحربي في البر، فكان