للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يضربني ضرباً مبرحاً لم يكن يخفف من أوجاعه في نفسي إلا الأربعون جنيهاً التي ادخرتها واكتنزتها في جيبي، والتي كثرتها بما ضممت إليها مما كنت أقتصد بعد

وقد ضلت سفينتنا مرة، فأسَرتَنا وحدة بحرية فرنسية. . وبهذا - وا أسفاه - خسرت نقودي كلها. . . . . . ونزلنا إلى البر في ميناء برست، ولم يحتمل رفاقي الملاحون زهمة السجن وهواءه الخانق، فمات أكثرهم. . . أما أنا فقد بقيت فيمن بقي؛ ويبدو أن ما تعودته من الحياة في أشباه هذا السجن، قد جعلني أحتمل ما لم يحتمل زملائي

وبينما كنت نائماً على أرض السجن، وأنا ملتفع بغطائي الدافيء، إذا بي استيقظ على صوت الربان الذي جعل يلكزني لأصحو. . . وقال لي في صوت خافت، وهو يحمل مصباحاً أخفت من ضوئه: (جاك! جاك! هل لك في أن تحطم رأس (الديدبان) لنلوذ بالفرار يا صاحبي؟!) ولم يكن أحب إلي من أن أفعل. فوافقت على هذه المجازفة التي رغبها إلى كراهيتي للفرنسيين، الذين أعدهم أمة من العبيد. . . والذين لا يلبسون في أرجلهم إلا (القباقيب!)

ولم يكن معنا سلاح ما. . . بيد أننا كنا على ثقة دائماً من أن إنجليزيا واحداً يسعه أن ينتصر على عشرة من الفرنسيين. . . وهكذا انطلقنا إلى حيث انكمش الحارسان في ركن بعينه من البرد، فانقضضنا عليهما، وانتزعنا منهما سلاحيهما، ثم حطمنا رأسيهما، ولذنا بالفرار إلى الشاطئ. . . ولحق بنا تسعة ممن بقي من أسرانا، فركبنا زورقاً كبيراً، وأبحرنا من فورنا

(ولبثنا نصارع الموج ثلاثة أيام سوياً، حتى أضرّ بنا الجوع، وأوشك أن يهلكنا الظمأ. . . ثم اقتربنا من مركب كبير فحسبنا أن يد العناية قد أرسلته إلينا لتنشلنا مما نحن فيه. . . فإذا هو مركب من كراكب (قراصين) البحر، استطاع رجاله أَسرَنا. . . وكم كان فرحهم بنا عظيماً، لأننا أيد عاملة تنفعهم فيما هم بسبيله من أعمال القرصنة. . . وقد رضينا نحن بالعمل معهم، إذ كان لابد مما ليس منه بد. . . ولم يكن حظنا بساماً هذه المرة، فلقد شاء سوء الطالع أن نشتبك في قتال بيننا وبين الـ (بومبادور) القوية التي يملك قراصينها أربعين مدفعاً صالحة كلها للعمل، بينا لم نكن نملك أكثر من عشرين وثلاثة مدافع. . . ومع ذاك فقد قاومنا ما وسعنا أن نفعل، بل بدا لنا أننا نرى النصر قاب قوسين أو أدنى، في

<<  <  ج:
ص:  >  >>