الحضارة، وإذا حذرهم وقال لهم إن افتقاده لابد أن يؤدي حتماً إما آجلاً وإما عاجلاً إلى التدهور والخراب - عدوه متشائماً وخدروا عقولهم تخديراً بأن يحسبوا أن يحسبوا أن وسائل الحضارة هذه من مدارس وعمارات وميادين وسيارات وغيرها لابد أن تجلب لنفوسهم هذه الصفة الضرورية وهي احترام حدود الحق والواجب، إذا كانت حقيقة ضرورية لا غنى عنها إذا أريد تجنب التدهور لأنهم لا يستطيعون أن يتصوروا كيف أن كل مظاهر الحضارة هذه لا تحميهم من التدهور والخراب إذا افتقد شيء غير مرئي ولا منظور وهو احترام حدود الحق والواجب
وهؤلاء الذين يأملون أن تعصمهم المنشآت والعمارات والسيارات والمدارس والميادين وغيرها من التدهور، لأنها في ظنهم لابد جالبة هذا الشيء المطلوب، وهو احترام حدود الحق والواجب، ربما كانوا أقل ضرراً من الفريق الذي يتبجح ويقول إن الحضارة الحديثة مؤسسة على عدم احترام حدود الحق والواجب، وإن كان هذا الفريق يصوغ قوله في قالب آخر فيقول مثلاً: ينبغي ألا نيأس، فإن التفكير الحديث قد قلب الأخلاق رأساً على عقب، وألغى الأخلاق القديمة وجاء بأخلاق تناسب رجل المستقبل. أو يقولون: إن الإنسان الذي يريد أن يكون رجلاً ينبغي أن يحرر نفسه من قيود الأخلاق القديمة. كأن الفلسفة الحديثة يمكنها أن تعطل سُنة من سنن الحياة، وهي سنة تدهور الأمم إذا فقدت احترام حدود الحق والواجب
ومما يدعوا إلى الأسف انتشار هذه النغمة بين بعض المثقفين المفكرين الذين كان ينبغي أن يكونوا أكثر فهماً لحقائق الحياة الثابتة والذين يستطيعون أن يروا كيف سرت هذه الحقائق في الماضي في حياة الأمم، والذين ينبغي أن يفهموا أن ما يدعون إليه من الأخلاق الجديدة ما هو إلا عدم احترام حدود الحق والواجب ذلك الاحترام الذي إذا فقد تدهورت الأمة التي تفقده كما يشهد التاريخ
وهناك فريق آخر أكثر صراحة وأكثر أثرة وهم يفهمون حقيقة الأمر، ولكنهم يقولون: الطوفان بعدنا. ويريدون أن يستفيدوا من فقد احترام حدود الحق والواجب، وأن يعيشوا بهذه الفائدة قبل الطوفان
وهناك فريق آخر يدرك حقيقة الأمر، ويحاول أن يزيل الخطر وأن يصلح الأمر، ولكن