وأخوة شاملة. . . فيجدر بالمفكرين أن يسبقوا سائر الناس في استقبال هذا التطور الجديد، فيسموا بأنفسهم - من الآن - فوق الوطنيات الخاصة ويعملوا بهذه الصورة على تعجيل حلول عهد الإنسانية الحق. . .
هذه هي سلسلة الآراء والملاحظات التي تستند إليها فكرة (الكوزموبوليتية)، (فكرة العالمية). . .
لاشك في أن هذه الآراء لا تخلو من قوة جذب وإغراء: لأنها تفسح أمام الأذهان مجالا واسعاً لأحلام الأخوة البشرية وأماني السلم الدائم، وتصور أما الخيال عالماً جديداً أرقى وأسمى من العالم الذي نعيش فيه الآن. . . فمن الطبيعي أن تستولي هذه الآراء - من الوهلة الأولى - على بعض النفوس التواقة إلى الكمال، ولو كان في الخيال. . .
فقد انتشرت الفكرة - فعلاً - انتشاراً كبيراً بين المفكرين في النصف الخير من القرن الثامن عشر. . . ولا سيما في ألمانيا، وحيث أصبحت النزعة السائدة في عالم الفكر والفلسفة. . فكان معظم الفلاسفة والأدباء - من كوته إلى لسينغ، ومن هردر إلى شللينغ - يقولون بها ويدعون إليها؛ فكان (كوته) - مثلاً - يترفع عن النزعة الوطنية، ويقول (وقانا الله إياها)، وكان (هردر) يعتبر الوطنية (من النزعات التي لا تليق بالمستنيرين والمفكرين). . .
ومما يجدر بالانتباه والملاحظة أن هذه النزعة الفكرية - مع انحدارها في الأصل من روح التشوق إلى الكمال - تتفق - في النتيجة - مع روح الاستكانة السلبية، وتكتسب لذلك قوة من ميول الأنانية الخفية. . .
لأن (فكرة الإنسانية والعالمية) نزعة أفلاطونية، لا تتطلب من الفرد عملاً فورياً وتضحية فعلية، في حين أن الوطنية نزعة واقعية تتصل بالحياة الحالية، وتتطلب من المرء أن يقوم ببعض الأعمال والتضحيات بصورة فورية؛ فالانصراف عن النزعة الوطنية، استناداً إلى (الفكرة الإنسانية) يكون بمثابة الانصراف عن الأعمال الإيجابية استكانة إلى الأوضاع السلبية. . ولهذا السبب يتفق هذا الانصراف اتفاقاً كبيراً مع روح الأنانية، التي كثيراً ما تتقنع بأقنعة خداعة تستر وراءها كثيراً من الميول النفعية. . .
لقد انتبه (جان جاك روسو) إلى هذه الحقيقة، فانتقد (الفكرة العالمية) بأسلوب لاذع، فقال: