للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تغلب في النهاية وسار الأولاد إلى المدرسة وكانت على مسافة ميل ونصف ميل من كوخهم

وفي المدرسة أقبل أيب على تعلم القراءة والكتابة إقبالاً لم يعرف له مثيل في قرنائه. أليس ذلك غاية مبتغاه ومنتهى هواه؟. لقد كان يعمد إلى قطع الفحم إذا عاد إلى الكوخ فيكتب بها على غطاء صندوق من الخشب تارة، أو على ظهر لوح الخشب الذي كانوا يحركون به النار تارة أخرى! يكرر ذلك في غير ملل مع صعوبة الكتابة بالفحم على مثل تلك الأشياء. وأنى له الحبر والورق إلا ما ندر من قصاصات رديئة كان يضن بها على التمرن فلا يخط عليها إلا ما يحسنه فيزهي به ويباهي. . . هكذا تعلم إبراهم لنكولن القراءة والكتابة!

لكن أباه لا يهتز لذلك ولا يهش له، بل إنه ليقطع عليه أكثر الأحيان هوايته فيستصحبه إلى الغابة ليعاونه فيما كان يراه أجدى على الأسرة من الأعمال. وهو يرى فيه الآن وقد ناهز الرابعة عشرة خير عون له إذ كان الفتى حاذقاً قوياً حتى لتبدو قوته مدهشة تحمل على العجب ما رأى الجيران مثلها قط فيمن كان في مثل عمره. ورأى فيه أبوه فوق ذلك قدرة على الرماية تجلت له في حادثة واحدة ولكنها كانت مقنعة: تناول البندقية ذات يوم وصوبها نحو فرخ بري فأصابه في مهارة وخفة. . . على أنه قد جزع وأخذه الرعب وندم على ما فعل، وعافت نفسه هذا الفعل وما فيه من قسوة، وما رآه أحد بعدها يصوب سلاحاً نحو مخلوق. . .

وما كان إذعان إبراهام لأبيه إذا دعاه ليصرفه عما مالت إليه نفسه، فكان يختلس الساعات فيكتب ويقرأ ويكتب ويقرأ والشوق يحدوه واللذة تدفعه حتى صار قادراً على تناول الكتب! وأول ما تناوله من الكتب الإنجيل وخرافات إيزوب وروبنسن كروزو ورحلة الحاج. وكم كان لهذه الكتب من أثر في خياله ووجدانه، ذلك أن نفسه أخذت تتفتح للحياة كما تتفتح الزهرة أحست دفء الربيع ونوره وصفاءه! وتاقت تلك النفس الذكية إلى تاريخ العظماء، فقرأ حياة هنري كليي وحياة فرانكلن ثم حياة وشنجطون بطل الاستقلال وزعيم الحرية. ولقد كان جد معجب بهذا الزعيم العظيم مأخوذاً بما يطالع من مواقفه في حرب الاستقلال، مسحوراً بما تجلى في تلك الحرب منن أعمال البطولة. ولا يخفى ما تركته مثل هاتيك المطالعة من عميق الأثر في تلك النفس الوثابة الجياشة بأنبل المعاني

وعرف عنه وهو في السادسة عشرة من الشمائل ما لا يتحقق إلا للمصطفين الأخيار. كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>