تتذبذب الأخلاق وتسود العاطفة. وإذاً فلتكن الدراسة هنا مليئة بالتاريخ الطبيعي، والسياسي، وبالقصص السامي، وبكل ما يؤدي إلى سرعة الحكم ودقته، وإلى كل ما يتسامى بالعواطف والغرائز ويغرس روح المحبة والتعاون، ويرشد الناشئ إلى كيفية حماية نفسه مما يتعرض له من عادات سرية وسقوط خلقي وانهيار جنسي. . . (وإن كان لا يزال هناك من يعتقد أن التحدث في مثل ذلك للشبان وقاحة وفسق. .!!)؛ وفي الشباب المتأخر تتمركز الشخصية ويستقر العقل وتسود الوحدة. وإذاً فلتكن الدراسة هنا مرتقية إلى نظرات كلية جامعة لقوانين الوجود العامة. . . ويتلخص هذا كله في أن الطفل (يرى)، والشاب الباكر (يفهم)، والشاب المتأخر (يتأمل ويحكم)
٣ - بقيت صفات العقل النامي، ويمكن إيجازها في أن التعليم نشاط وخلق لا تسلم وقبول، وتأمل وتفكير لا وعي وحفظ، وقوة معرفة أكثر منه معرفة فحسب: حواس مرهفة، وعقل واسع المدى راغب في المعرفة بريء الاتجاه؛ وحب للحق المجرد عن التدجيل والتهويش؛ ومعرفة بالعالم لا تترك شيئاً فيه خرافياً، وإحاطة بالنفس بعد الإحاطة بالعالم؛ وخيال يقدم الفروض للعلم والإبداع للفن، والإحياء للتاريخ؛ وحكم مدرب حصيف عام النظرة منطقي الخطوات؛ وذوق جميل مهذب يدمج الإنسان في الكون ويجعله جميلا في كل شيء؛ وشعور أخلاقي راق يدرك الخير والشر، ويحكم على الخير والشر، ويلوح بساعد الإدارة القوية أمام كل إغراء حقير؛ وحب للعمل وتلذذ به؛ وإحساس بالسعادة يمتلك قوى الشخص جميعاً ويجعله يعيش هانئاً مطمئناً حي الضمير حر الإرادة جريء الجنان؛ واتفاق مع السماء واطمئنان للنهاية المحتومة التي تنقلنا من عالم ناقص إلى عالم كامل. هذا إلى تواضع نزيه، وعشق لأحسن ما في الحياة كله حماس؛ ووفاق تام مع النفس لا يترك في الشخص أدنى نزاع؛ وتعليم للغير هو رسالة النور تبدد ظلام الحياة؛ وحياة تفني النفس في الكون لا الكون في النفس، ولا تشغل المهندس أو الطبيب عن نواحي العيش الأخرى بما فيها من خير وجمال. . .
يقول (هكسلي): (للرجل المثقف جسم خاضع لإرادته، وعقل صاف متئد القوى سهل العمل مليء بما في الطبيعة من حق عظيم وقوانين كلية. هذا إلى امتلاء بالحياة المنسجمة الخادمة لضميره الحي، وإلى حب للجمال وكره للقبح، وإلى احترام للنفس وللناس، وإلى وفاق تام