وكان يهم أن يخلع ثيابه، ثم يمضي لينام، لولا أن سمع صوتاً خافتاً وراء الباب، ونقراً خفيفاً ضعيفاً على الباب، فذهب ليرى من الطارق بليل؟
لله ما كان أروع القمر الساري في ملكوت الله وهو يلقي أشعته على الشبح الواقف لدى الباب!
لشد ما ذعر فرنسيسكو. . .
لكنه ركع أمام الشبح، وأخذ يرسم علامة الصليب بسبابة مرتعشة، ونظرات مغضية، ثم نهض فتوسل إلى الروح الكريم أن يذهب. . . فلما لم تتحرك جينفرا مما دهاها من الدهش. . . أغلق فرنسيسكو الباب، وأحكم رتاجه. . . ومضى إلى فراشه وبه رجفة تزلزله زلزالاً عظيماً. . . ثم نذر أن يتصدق على روح زوجته ما وسعه ذلك، وأن يقيم على جدثها الطاهر ما لم يؤد لها من قُدَّاسات
وبكت جينفرا ما شاء لها أن تبكي، ثم جعلت تجَمْجم وتقول: (وَيْ! أذاك هو مدى ما أحببتني يا فرنسيسكو؟! وي! لابد أنني كنت عبئاً عليك، ووزراً تنوء به، وتود لو تخلصت منه! وا أسفاه! أين أذهب يا ربي؟ أأفلت من ظلام القبر لأموت من البرد والضنى والجوع في أشعة القمر؟). وذكرت أن بيت أبيها قريب فانقلبت. . . وشرعت تخطو. . .
ولم يكن أبوها هناك. . .
وكانت أمها في الطابق العلوي، توشك أن تمضي إلى سريرها فتنام. . . فلما سمعت همس جينفرا وصوتها الخافت المستنجد أطلت من النافذة لترى من الطارق. . .
وكان الشبح المريض المهزول يتكئ على مصراع الباب مما به من ونى وإعياء؛ ولم تَسْتَرب به الأم المحزونة، فقالت له وهي تتوسل إليه: (انصرفي في سلام أيتها الروح. . .!) ثم أغلقت النافذة، وانكفأت إلى فراشها لتصل أحزانها على جينفرا. . .!
وعرت الفتاة رعشة من الحسرة لا من البرد، فشدت ذراعيها، وذهبت على وجهها لا تعرف أيان تمضي. . . ثم خطر لها أن تلجأ إلى بيت من بيوت أعمامها، فلم تصل إليه إلا بعد أن جلست مرات ومرات تستريح وتستجم، وتمزج دموعها وأحزانها بضياء القمر الذي كان يبدو كأنه يبكي لها ويرثى لحالها، ويحوطها بغلالة دافئة من قمرائه
وا أسفاه عليك يا جينفرا!