لقد وقفت بباب عمها فلم تلق أطيب مما لقيت في المرات السابقة، ثم وقفت بباب عمها الثاني، فعمها الثالث، ثم بباب خالها، فخالها الآخر، فأبواب جميع أقاربها، فكانوا يردونها على أنها روح سارية، ويغلقون أبوابهم جميعاً دونها
واعتزمت آخر الأمر أن تلجأ إلى مستراح سان بَرْتولوميو لتنام فيه أو لتموت فيه، ولتستريح من هذه الدنيا التي تجهمت لها، وعبست بألف وجه من وجوه أقربائها. . . وما كادت عيناها الحزينتان تغمضان كما تغمض النرجسة الذابلة، حتى خطر لها أن تنهض من فورها، وتمضي إلى بيت حبيبها الوفي، أنطونيو روندينللي، وإن تكن بينها وبينه مسافة طويلة، ضاعفها ضربها في المدينة أضعافاً مضاعفة. . .
ثم هجست في ضميرها بكليمات باكيات فكأنما كانت تقول:(ولكن!. . . ماذا انتظر من رجل لقي الويلات مني ومن ذوي؟ وماذا عساه يصنع لي وقد ذادني كل أهلي عن منازلهم؟ يا رب! وحق أسمائك ما خنته! وحق ربوبيتك ما ضيعت موثقه!)
وذهبت تدلف إلى بيت أنطونيو وتهدج، حتى كانت لدى الباب، فوقفت تسمع إلى دقات قلبها، قبل أن تصغي إلى نقرها فوقه
وفتح أنطونيو الباب. . . ولم يكد يقع بصره عليها حتى تقدم نحوها بدافع غريب قوي من الحب، أو من الشجاعة، ولم يتقاعس كما تقاعس ذووها، ثم طفق يحملق فيها ويقلب فيها عينيه من إخمصيها إلى زؤابة رأسها، فلما أيقن أنها هي، تنفس صعداءه، وقال:(أأنت حقاً جينفرا؟ أم أنت روحها القديسة المطهرة؟) ولم ترد عليه، بل أرسل الحب ذراعيه القويتين إليها، فاحتملها كالطفلة، ثم أخذ يصيح من الجذل، داعياً أمه وخدمه ليزف إليهم البشرى، ولكن سرعان ما ارتد هؤلاء من الفزع حين أقبلوا ليروا فيما دعاء أنطونيو لهم، لما رأوه يحمل فتاة كالشبح في أكفان!!
وهرول به أنطونيو إلى مخدعه فسجاها في سريره، وهتف بخادم فأحضرت الموقد ليدفئها بما بقي فيه من قبس، ثم دعا أمه فطمأنها، وجلست مع الفتاة في السرير تضمها وتجعلها في حضنها لتدفئها كذلك
وكان الهلع يغشى أنطونيو خشية ألا يشيع الدفء في كيان حبيبته البارد المرتجف، فتذهب ضحية القر؛ بيد أنه اطمأن حينما رآها تثوب، وكان فرحه بها أشد من حزنه عليها، عندما