فوجئ بنبأ وفاتها، وجلس عند قدميها فوق أرض الغرفة يرعاها ويتولاها بعنايته، غير مطمئن إلى ما كانت تبذل أمه من التلطف بها، والحدب عليها
وانتعشت جينفرا، فهبت من السرير فجأة، ونزلت إلى الأرض، ثم أهوت على قدمي أنطونيو تقبلهما، وتريق عليهما دموع محبتها وشكرانها، وترجوه أن ينشر عليها جناح الطهر من وده وصداقته، وأن ينسى إلى حين ما أنها حبيبته، وإن تكن تعد نفسها خادمة له، وترتضي العبودية في كنفه. . . ثم ذكرت والدموع تحجب عينيها، ما كان من شجاعته عندما رآها أمام بابه، فلم يفر ولم ينزعج كما فر أهلوها وانزعجوا. . . وارتبك أنطونيو، وهم من مجلسه فركع أمامها، وراح يطلب صفحها عما عسى أن يكون قد بدر منه، مما أثر ظنونها. . .
ولم تستطع جينفرا أن ترد عليه بلسانها، فأخذت كفيه، وضغطت عليهما بكفيها الواهيتين، ثم انطلقت تغمرهما بالقبل، وتنضحها بالدموع. . . وكان التأثر قد بلغ من أنطونيو مبلغاً عظيماً، فراح يبادلها دموعاً بدموع، وينكر على نفسه أنه أدى لها يداً غير ما يقتضيه الواجب والمروءة والإنسانية، وأنه لم يكن ينتظر جزاءً على ما صنع إلا أن تتدفق الحياة في جينفرا العزيزة. . . المعبودة!
ثم سألها إن كانت تحب أن ينهض معها من فوره فيردها إلى ذراعي زوجها. قال:
(لا ترتبكي يا جينفرا. . . إن هذا واجب. . . إني أحضك عليه وإن يكن في قضائه قضاء علي. . .)
وامتزج بكاء جينفرا بجوابها فقالت: (كلا. . . كلا. . . كلا. . . لن أعود إليه. . . لا أود أن أراه. . . إني أوثر أن ألقى في دير فأعيش فيه ميتة، على أن أعود إلى فرنسيسكو. . . وفضلاً عن هذا. . فلقد فرق بيني وبينه الموت. . لقد مت في اعتباره. . ومشى في جنازتي. . . ووسدني التراب بيديه. . . وقبل ساعة كنت أطرق بابه، فلما رآني فزع وطردني. . . وأغلق الباب دوني. . . أرجوك يا أنطونيو. . . أرجوك ألا تردد اسمه أمامي. . . وإن أرغمني أحد على العودة إليه فسأشكو أمري إلى القضاء العادل ليفصل بيننا من جديد. . . سأقصد إلى كل محكمة. . . إلى كل سلطة دينية. . . لقد شهدوا جميعاً أنني مت، وصرحوا بدفني فدفنت حية، ولمه؟ لا لشيء إلا ليستريحوا مني؛ أفإن شاء