(إن من دواعي أسفي أني لم أوفق في حسن تدبير الجانب المالي من حياتي)
فقال كتشنر:(إن من يعرفك يا عزيزي سلاتين لا يخطر له غير ذلك)
ولم يكن هذا بالرد المشجع على الاسترسال ولكن سلاتين باشا لم ينهزم فقال:
(هأنذا ظللت في أسر المهدي اثنتي عشرة سنة، عارياً مكبلاً أكثر الوقت، وقد وقعت في هذا الأسر وأنا في الخدمة، ومع ذلك لم آخذ قرشاً واحداً طول هذه المدة)
فكان رد كتشنر:(صحيح يا سلاتين، ولكنك لا تستطيع أن تزعم أنك أنفقت شيئاً في هذه المدة!)
وبعد هذا الجواب انتقل الحديث فجأة إلى الطيران ومحصول القطن!
ولما جاء إلى مصر كامل باشا الذي تولى الصدارة العظمى في تركيا أربع مرات، زاره اللورد كتشنر في فندق سمير أميس، فتذكر كامل باشا أنه لما كان والياً في الأناضول كان كتشنر قنصلاً لدولته هناك، فقال كتشنر:
(نعم، ولكنك توقلت في معارج الرقي بسرعة، أما أنا فكنت يومئذ قنصلاً، وقد احتجت إلى ثلاثين سنة لأصبح قنصلاً عاماً)!
وكان إذا جاءه البريد من لندن، يفتح منه أول ما يفتح، كتاب وكيله الذي يصف له فيه مبلغ التقدم في إعداد بيته هناك وإصلاحه. ويقول ستورس: إن العمل في بيت كتشنر استغرق سنوات وسنوات، لأنه كان ينفق عليه مما يستطيع أن يدخره من مرتبه. وكان هذا البيت هو كل ما يعنيه من أموره الخاصة؛ وشاء القدر ألا يسكنه قط، لأنه غرق قبل أن ينتقل إليه
ولم يكن يحسن الكتابة أو يقبل على القراءة ويعنى بالاطلاع مثل كرومر. وكان قلما يلعب غير الشطرنج في القطار أو على الباخرة. ولم يكن له ذوق غورست وفهمه للموسيقى والعلوم الطبيعية، أو ولع اللنبي بالألعاب الرياضية والشعر، ولكنه كان مشغوفاً بالعاديات وفنون الزينة
وقد قامت الحرب، وهو في إجازته في إنجلترا، فأراد أن يعجل بالعودة إلى مصر لأنه كان يخشى أن تكل إليه حكومته وظيفة استشارية. فلما صار على ظهر الباخرة تلقى برقية من رئيس الوزارة يطلب بقاءه، فعاد إلى لندن ومعه السير رونالد ستورس وفي نيته ألا يقبل