كانت أشكالها، والى الامتناع عن الحروب مهما كانت الأسباب الداعية إليها. . . غير أن (روزفلت) الكبير أجاب على آراء (تولستوي) في إحدى خطبه بكلمة طريفة جداً قال:
(نعم، قد يأتي عهد - في أغوار عصور المستقبل البعيد - تفقد فيه الوطنية قيمتها وفائدتها. . . كما أنه قد يأتي عهد يندثر فيه نظام الأسرة فالزواج. . . غير أنه يجب أن نعرف جيداً أن الرجل الذي لا يفرق بين وطنه وسائر الأوطان - في المجتمع الذي نعيش فيه الآن - يكون عنصراً مضراً، كالرجل الذي لا يفرق بين زوجته وسائر النساء. . .)
إن دعاة السلم العام والأخوة البشرية الشاملة الذين ظهروا طول القرن التاسع عشر، وفي أوائل القرن العشرين، حتى الحرب العالمية - كانوا يتكهنون بقرب تحقق أحلامهم وأمانيهم. . . غير أن الوقائع والحادثات كانت تأتي على الدوام معاكسة لتلك الأماني والأحلام. . . كانوا يتكهنون بأن ساحات الحرب ستتحول إلى أسواق تجارية. غير أن الوقائع أتت بنتائج معكوسة لذلك تماماً، لأن الأسواق التجارية أصبحت مثاراً للحروب. . .
كانوا يقولون بأن المدافع ستنتقل إلى المتاحف. . . ولا ننكر أنه قد حدث شيء من ذلك، فإن المدافع التي كان يعرفها هؤلاء الدعاة انتقلت فعلاً إلى المتاحف؛ غير أن ذلك لم يحدث من جراء انتصار فكرة السلم العام، كما أنه لم يؤد إلى تقوية الفكرة المذكورة. . . بل إنه حدث من جراء اختراع أنواع جديدة من المدافع تفوق قوتها الحربية قوة تأثير المدافع القديمة مئات من الدرجات. . .
كانوا يوجهون أنواع السهام إلى (الحدود) التي تفصل الدول بعضها عن بعض؛ وكانوا يتمنون زوالها خدمة للسلم العام فقد حدث فعلا في الحدود التي كانوا يعرفونها، انقلابات عظيمة أدت إلى تبدل عشرات منها وزوال مئات. . . غير أن كل ذلك لم يحدث على أساس توحيد الأمم بأجمعها، ولا على أساس توحيد الأمم المتمدنة وحدها. . . بل حدث من جراء تحقيق النزعات القومية، وإعادة بناء الدول حسب مقتضيات تلك النزعات. . . فقد اتحدت الدويلات الكثيرة التي كانت تنقسم إليها بعض الأمم؛ فكونت دولة كبيرة أشد وطنية وأصلب قومية من جميع الدويلات التي اندمجت فيها. . . هذا ومن وجهة أخرى قد تجزأت بعض الدول الكبيرة التي كانت تتألف من أمم مختلفة النزعات، وانقسمت إلى عدة دول مستقلة؛ غير أن ذلك أيضاً حدث بتأثير النزعات القومية، وأدى إلى تقوية تلك