تجاه هذه النتائج الفعلية فقدت الفكرة العالمية كل ما كان لديها من قوة؛ فأخذت فكرة السلم العالم ونزعة الأخوة البشرية اتجاهاً جديداً يختلف عما كان يقصده دعاة العالمية كل الاختلاف.
هذا الاتجاه الجديد، هو الدعوة إلى التعاون والتضامن بين الأمم داخل نطاق الوطنية والقومية تماماً. فلتبق كل أمة متمسكة بوطنيتها على أن تحترم وطنية الأمم الأخرى أيضاً. فلتبق كل أمة مستقلة في شؤونها على أن تتعاون مع سائر الأمم في مختلف ساحات النشاط البشري من العلم والثقافة إلى الاقتصاد والمواصلات. . .
إن هذه النزعة الجديدة لم تكن من نوع التمنيات الخالية، بل هي من النزعات العملية التي أنتجت نتائج باهرة، وساعدت على تكوين (مؤسسات أممية) كثيرة. . . من (اتحاد البرق والبريد الأممي) إلى (مؤسسة التعاون الفكري الأممي). . . ولاسيما بعد الحرب العالمية. . .
فنستطيع أن نقول لذلك:(إن نزعة الوطنية خرجت سالمة ظافرة من الكفاح العنيف الذي حدث بينها وبين فكرة العالمية بأشكالها المختلفة. . .)
غير أن الوطنية - بالرغم من تغلبها على النزعات المعادية التي ذكرناها آنفاً - وجدت نفسها منذ مدة، أمام نزعة معادية أخرى، أشد خطراً من جميعها. هذه النزعة هي (الماركسية) - نسبة إلى مؤسسها (كارل ماركس) - وبتعبير آخر هي:(الأممية الشيوعية)
إن دعاة هذه (النزعة الأممية) لم يحملوا بآمال السلم العام، ولم يعللوا أنفسهم بأماني الأخوة البشرية الشاملة. . . بل على العكس من ذلك آمنوا بضرورة الحرب، واستعدوا لها؛ غير أنهم قالوا إن هذه الحرب يجب أن تكون من نوع جديد. يجب أن تنشب بين الطبقات المختلفة لا بين الأمم المختلفة. يجب على عمال العالم أن يتحدوا على اختلاف أوطانهم ليحاربوا الرأسماليين مهما كانت قومياتهم. . .
إن دعاة الأممية الشيوعية يريدون تغيير نظام المجتمع الحالي من أساسه، ويعتقدون أن ذلك لا يمكن أن يتم دون ثورة وحرب، ويقولون بأن هذه الثروة يجب ألا تتقيد بقيود الوطنية بل يجب أن تعمل ضدها. . .