أما غيرتي على ليلى فهي مفهومة لا تحتاج إلى شرح؛ وأما خوفي عليه فيرجع إلى اعتقادي أنه من أرباب القلوب. وربما جاز لي أن أصرح بأنه كان من عبيد الجمال في صباه؛ وإلا فكيف أتفق أن يكون دائماً من أنصار الآداب والفنون؟ وهل يعطف على الأدب والفن غير أرباب القلوب؟
ثم مرّ بالبال خاطر سخيف؛ ولكن لابدّ من تدوينه في هذه المذكرات. ألم أقل أني أدوّن عيوبي قبل أن يدوّنها الكرام الكاتبون؟
أنا مفتش بوزارة المعارف المصرية؛ ومن واجبي نحو نفسي أن أحّسن علاقاتي بوكيل الوزارة. أستغفر الله! فما أردت إلا أن أقول سعادة الوكيل. ولا تؤاخذني يا عشماوي بك فما أقصدك بالذات. وسعادة الوكيل يستطيع أن يكتب مذكرة يقول فيها إنه ثبت أن مواهب الدكتور زكي مبارك أعلى من مستوى التفتيش، وإنه لابدّ من تحويله إلى منصب مناسب بالجامعة المصرية
وهنا وجه الخطر، فمناصب الجامعة لا تنفعني، لأني لا أستطيع أن أشفي بها ما في نفسي من مرض السيطرة، لأن السيطرة في الجامعة مقصورة على العمداء، والظروف الحاضرة لا تمنحني العمادة ولو في كلية الآداب، لأن العمادة تتوقف على شرطين: أصوات الأساتذة، وموافقة الوزير. والأساتذة لن يعطوني أصواتهم أبداً، لأني جرحتهم جميعاً في جريدة البلاغ؛ والوزير الحاضر وهو معالي بهي الدين بركات باشا لن ينسى أني هجمت عليه في مقال نشرته بجريدة المصري. ومن المحقق أنه لن ينتقم مني، ولكن من المحقق أيضاً أنه لن يتحمس لإنصافي فيراني أصلح الناس لمنصب العميد
لابدّ لي على أي حال من أن أبقى مفتشاً بوزارة المعارف. وهل في الوزارة منصب أعظم من منصب المفتش؟ إن لي في هذا المنصب ذكريات تقضي بأن أخاطر في سبيله بكل شيء إلا ليلى، إلا ليلى، إلا ليلى
منصب المفتش منصب عظيم جداً، فمن كان في ريب من ذلك فليسمع:
دخلت المدرسة التوفيقية صباح يوم، فهالني أن أرى مظاهر القلق في جميع الصفوف، فقلت للناظر: ما هذه الجلبة؟ فقال: إن التلاميذ يتطلعون من النوافذ ليمتعوا أنظارهم بطلعة سعادة المفتش. فقلت في تعجرف: هذا أدب ما بعد الحرب، وكان الواجب أن يقهرهم