قلت إني أفضل المدارس الأهلية والأجنبية على المدارس الأميرية لأستطيع قطع الأرزاق حين أشاء. ثم تبينت وأنا راغم أن الأرزاق بيد الله، وأني لا أملك إيذاء مخلوق، وأن اللؤم الذي تنطوي عليه نفسي لن يضر أحداً غيري، فقد ذهبت للتفتيش على المدرسة المرقسية بالإسكندرية. ذهبت إليها في يوم مطير يحبس موظفي البنوك في البيوت. وكان أهم ما صنعته في ذلك اليوم أن أعدّ الغائبين، ثم كتبت إلى الوزارة تقريراً مزعجاً أقول فيه إن المواظبة منعدمة في المدرسة المرقسية، وإن ستة أسباع التلاميذ كانوا غائبين يوم حضرت للتفتيش
وما كان الغائبون (ستة أسباع) ولكني رأيتها كلمة لم يكتبها أحد من قبل. وما فضل التجديد إن لم أبتكر بعض التعابير؟
وقد أرسلت الوزارة تستجوب المدرسة، فكتبت إدارة المدرسة إلى الوزارة أن اليوم الذي غاب فيه التلاميذ كان يوماً مطيراً عاصفاً، وأن الزوابع هدمت بعض مباني الشاطئ وأغرقت ثلاث سفائن، وأن حضرة المفتش يعرف ذلك ويذكر أنه تزحلق ثلاث مرات في الطريق، وأن منظره في ذلك اليوم كان يخلق الإشفاق في أقسى القلوب
ودعاني وزير المعارف يسألني، فقلت يا معالي الوزير: أنت تعلمت في فرنسا وزرت جميع الممالك الأوربية. فهل رأيتهم يرون المطر من الأعذار؟ والإسكندرية كلها مرصوفة الشوارع، ومن الواجب أن نشدد في المواظبة لنخلق في الجو المدرسي طوائف جديدة من التقاليد
ويظهر أن الوزير استراح إلى تذكيره بأيام الشباب في فرنسا واستظرف كلمة التقاليد فقال: أحسنت أحسنت! ويشهد الله أني لم أكن يومئذ من المحسنين
أما التفتيش في المدارس الأجنبية فلي فيه نوادر تضحك الثواكل، وربما جاءت مناسبة لسردها في هذه المذكرات
والحاصل - كما يقول أهل بغداد وكما كان يقول الأزهريون - الحاصل أنني أريد التلطف مع سعادة العشماوي بك لأبقى مفتشاً وأنتقم من المدرسين الذين يهمّون بنقد مؤلفاتي وأشعاري في الجرائد والمجلات
وهو سيسأل عن ليلى، فلا بأس من أن يرى ليلى. وما أظنه سيخطفها من يدي، ولكن