الغابة قوته ويدفع خصمه فإذا هو ملقى على وجهه متدحرج كأنه كتلة من الخشب! والفتية لا يصدقون أعينهم من الدهش. ولقد نهض صاحبهم فصافحه وسلم له بالغلبة. وشاعت في الناس بطولة فتى الحانوت وشدة بأسه. وما كان ابراهام غليظاً أو رجل شر، بل لقد كان يسعى أبداً في القضاء على الإحن والمنازعات، وكم له من يد في هذا المضمار
عرف الناس ابراهام فوق ذلك باستقامته فما عهد عليه من سوء قط؛ كان لا يقرب الخمر ولا الميسر ولا يعرف الفواحش ما ظهر منها وما بطن. وأين ذلك الرجس من تلك النفس العصامية الطامحة؟ إن له من نفسه خير عاصم، وله من الكتب ما يملأ به فؤاده؛ وكانت كتبه إلا قليلاً مستعارة؛ يسمع عن كتاب يطلبه فيجده عند أحد الناس فيسعى إليه ويرجوه أن يعيره إياه حتى يقرأه فيعيده إليه؛ ومن ذلك أنه سمع وهو في الحانوت عن كتاب في قواعد اللغة الإنجليزية، وكان قوي الرغبة في تعرف قواعد اللغة ليستعين بها على ضبط عبارته، فمشى نحو ستة أميال حتى جاء صاحب الكتاب فأعاره إياه، فأكب عليه حتى أتقن فهمه. ومما قرأه أيب في تلك الآونة صحيفة كانت تكتب في السياسة، اشترك فيها وهو مملق، وكان يقبل على قراءتها في لذة واستمتاع قراءة تعمق ودراسة
ساقه إلى السياسة رجل رأى من فطنته وطلاقة لسانه وصدق إخلاصه وتطلعه إلى المعرفة ما أيقن معه أن سوف يكون له شأن غير شأنه إذ ذاك. وكان إبراهام يحادث الناس كما ذكرنا كلما سمحت بذلك فرصة، وقد ألفوه جذاب الحديث بارع السياق يضرب الأمثال في غير توقف ويسوق الأدلة في غير عوج! وإنك لترى من ذلك أنه يستطيع أن يخوض السياسة، فماذا اعتزم؟ عقد النية على أن يتقدم للناس ليختاروه نائباً عنهم في مجلس المقاطعة النيويس! وكان في تواضعه يرى الخطوة جريئة. على أنه كان يدرك أن اليد قصيرة والجيب خال والجاه منعدم. فعلام يعول ابن الغابة والى من يستند؟ ليس أمامه غير نفسه؛ ولكنه حسبه تلك النفس
وكان أيب في الثالثة والعشرين من عمره وإنه ليحق لنا أن نتساءل كيف خلت حياته إلى ذلك اليوم من الحب على قوة روحه ونبل عواطفه وشدة بنيته؟ الحق أنه كان ينفر من النساء ومخالطتهن، وكان شديد الخجل خافض الطرف متلجلج اللسان متبلبل الخاطر كلما وجد نفسه على رغمه في مجلس يضم فتاة أو فتيات. وكان هذا الحياء الشديد مما عرف