للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من صفاته؛ بيد أنه يحس اليوم كأن شيئاً يختلج بين جنبيه، فلقد زار ذات ليلة ذلك الرجل الذي وجهه إلى السياسة في خانه، وكان صاحب ذلك الخان؛ ورأى هناك ابنته، وكانت حسناء في الثامنة عشرة، فمال إليها قلبه ولكنه ما لبث أن علم أنها خطيبة فتى غيره؟ وهل كان لمثله أن يطمع في تلك الفتاة على ما هو فيه من خصاصة وعلى ما كان ينعم به أبوها من ثراء؟

وهو في شغل اليوم بالسياسة؛ ذهب إلى الخان حيث يجتمع فتية الحي ورجاله، وبعد أن استمع إلى حديثهم برهة وثب إلى مرتقى وقام فيهم خطيباً! ولعلها كانت أولى خطبه إذا أردنا معنى الكلمة. راح يحدثهم عن رغبته في الإصلاح وعن أفكاره في السياسة؛ ولما كان يجهل السياسة العليا فقد قصر حديثه على إصلاح الطرق والأنهار وهو جد خبير بها. ومما قاله (إن سياستي قصيرة حلوة كرقصة العجوز، إني أحبذ مشروع المصرف الأهلي وأحبذ الإصلاح الداخلي والحماية الجمركية. هذه هي ميولي ومبادئي السياسية، فإن اخترتموني فأنا شاكر وإلا فلن يغير ذلك شيئاً من نفسي) وقال في نداء مطبوع أذاعه في الناس (ولدت ونشأت في مدارج متواضعة، وليس لدي ثراء أو أهل ذوو جاه، أو أصدقاء يقدمونني إليكم؛ وقضيتي مبسوطة بين أيدي الناخبين الأحرار، فإن اخترت فقد أولوني جميلاً لن أوفيه مهما بذلت في خدمتهم، وإن أملت عليهم حكمتهم أن يتركوني حيث أنا فإني قد ألفت من مواقف الانخذال ما لا أحس معه لذلك غماً)

تلك هي صراحة لنكولن، وتلك هي بسالته تتجلى في كلماته كما تجلت فيها بساطته وإخلاصه وسمو تواضعه وعزة نفسه

وكان صاحب الحانوت قد أدى بمسلكه المعوج إلى بيع حانوته إلى تاجر آخر، وترك إبراهام أول الأمر بلا عمل، ولم يكن لديه مال يستعين به حتى على القوت، اللهم إلا ما تسوقه الأقدار إليه من وجوه الرزق. ومنها أنه قاد زورقاً بخارياً ليخرجه من منطقة عسيرة في مجرى الماء، وكان أجره على ذلك أربعين دولاراً

وساقت إليه الأقدار بعد ذلك عملاً غريباً بالنسبة إليه! ذلك هو التطوع مع فرقة من شبان الجهة لمحاربة الهنود الحمر! وكان كبيرهم - ويعرف باسم الصقر الأسود - قد هاجم البيض يريد أن يسترد أرضاً كان باعها للحكومة؛ وما كان أيب يميل إلى الحرب ولكنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>