للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقد زعموا أن امرأة سقراط كانت مسلطة عليه، وانه كان يخافها خوفاً شديداً، ويشفق منها إشفاقاً لا حد له، فلو عاشت امرأة سقراط في مدينة القاهرة وفي القرن العشرين لاتخذت لها يوماً في كل اسبوع، تستقبل فيه الزائرين والزائرات، فلا تكاد تطلع الشمس حتى تهيئ وتضطر زوجها إلى أن يهيئ معها غرف البيت لاستقبال الزائرين والزائرات، وحتى تسعى وتضطر زوجها إلى أن يسعى معها إلى حيث تشتري ألوان الحلوى وفنون الزهر وصنوف الفاكهة، حتى إذا تقدم النهار ودنت الساعة الرابعة قامت واضطر زوجها إلى أن يقوم معها لاستقبال الأصدقاء وغير الأصدقاء، من هؤلاء الذين يغشون غرف الاستقبال لأنهم يَكلَفٌون بغشيانها، أو لانهم يكرهون غشيانها. تكرههم عليه امرأة سقراط وأمثالها، لان امرأة سقراط لا تغفر لفلان وفلان من العلماء والأدباء وأصحاب الفن أن يهملوها، أو ينصرفوا عن غرفة استقبالها، وهي تصر أشد الإصرار على أن يظهروا في بيتها مرة في كل اسبوع، حتى لا يقول صديقاتها أن غرفتها ليست حافلة بأعلام الفن وأفذاذ الأدب، ورجال المال والأعمال، فإذا فرغت امرأة سقراط وفرغ زوجها من الاستقبال وما فيه من حديث مختلف مؤتلف، معوج مستقيم، واضح غامض، خصب جدب، خطر بريء، فلم تنته امرأة سقراط ولم ينته سقراط من كل شيء، وانما ابتدأ شيئاً لا سبيل إلى أن ينتهي، فهؤلاء الزائرون والزائرات لابد أن ترد لهم الزيارات، لأنهم كسقراط وامرأة سقراط مضطرون إلى أن يستقبلوا كما كانوا مضطرين إلى أن يزوروا، وكذلك تقضي امرأة سقراط ويقضي معها سقراط مساء كل يوم متنقلين من دار إلى دار، ومن غرفة استقبال، يقولان كلاماً، ويسمعان كلاماً، يصدِّقان ويكذِبان، وويل لسقراط إن أدركه الكسل أو أصابه الملل أو شغلته الفلسفة أو صرفه عن زيارة من هذه الزيارات حوار مهما تكن قيمته، ومهما يكن المحاورون، فأفلاطون وكسنوفون، وفيدون، وفيدر، كل هؤلاء يستطيعون أن يلقوه في داره يوم استقباله. أو في دار من هذه الدور التي تستقبل من الساعة الرابعة والثامنة من كل يوم، وإذا لم يكن بد من الحوار في الطبيعة أو في أي شيء من هذه الأشياء التي تنجم من الأرض، أو تهبط من السماء، فليدبر لهم سقراط وقتاً من هذه الأوقات التي يمكن فيها اللقاء دون أن تصرفه عن واجباته الاجتماعية وتعرضه للغضب، وأي غضب؟ غضب السيدات!

فإذا فرغت امرأة سقراط وفرغ معها سقراط من الاستقبال والزيارة وأقبل الليل، فالويل كل

<<  <  ج:
ص:  >  >>