للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سأشكر فرجة اللب الرخي ... ولين أخادع الدهر الأبي

فاستقبحوا استعارة الأخادع للدهر، وعدوها خارجة عن حد الاستعمال والعادة، فكيف لو أدركوا الجارم يصور الدهر وله عنان ومتنان وصوائل ورأس وكواهل؟ على أني أعرف أن علماء اللغة وإن اختلفوا في تحديد الكاهل، إلا أنهم اتفقوا على أن للشيء كاهلاً واحداً، ولكن الجارم يصور الدهر وله كواهل كثيرة وهذا لا يصح إلا على تخريج بعيد إن جاز في كتب الأزهر فلن يجوز في الشعر

وبعد هذا المطلع (الذي رأيته) يتدفع الجارم في تعداد سجايا الملك وإكبار فضائله، ولاشك أن فضائل الفاروق - كما يقول الجارم - إنما يزدهي بها الشعراء، ويحيا بوصفها القريض، وقد ذكر الجارم من فضائل الملك أول ما ذكر قوة العزم فقال:

يذوب مضاء السيف عند مضائه ... فما هو إلا غمده وحمائله

وهذا بيت قوي رائع يذكرنا لفظه ومعناه بقول المعري:

يذيب الرغبُ منه كل عضب ... فلولا الغمد يمسكه لسالا

وبقوله:

فإن كان في لبس الفتى شرف له ... فما السيف إلا غمده والحمائل

وأصل ذلك كله قول أبي تمام صاحب الجارم ودليله في مدح المعتصم:

وجرد سيف الحق حتى كأنه ... من السّلّ مودٍ جفْنُه وحمائله

ثم يمضي الأستاذ الجارم في الإشادة بالملك إلى أن يقول:

هو الأمل البسام رف جناحه ... فطارت به من كل قلب بلابله

وأحب لك أن تتأمل هذا البيت، ففيه شعر، وفيه روعة، وفيه الحقيقة الصادقة، ولكن الجارم أبى إلا أن يعيد معناه ضئيلاً فيقول:

ترى بسمة الآمال في بسماته ... وتلمح سر النبل (حين تقابله)

ونعوذ بالله من (حين تقابله) فإنها أضعف من الضعف، وكأن الجارم لم يكتف بهذا فانحدر بالمعنى إلى وضع أضأل وأضأل إذ يقول:

رأى فيك (هذا) الشعب آماله التي ... تمنى على الأيام وهي تماطله

وينتقل بالجارم بعد ذلك فيصف الملك باعتدال القوام فيقول:

<<  <  ج:
ص:  >  >>