وفي مساء ذلك اليوم أرادت ليلى أن تحضر معي في الحفلة التي أقامها فخامة رئيس الوزراء، فقاومتها مقاومة شديدة، وكانت حجتي أنها ستكون من الحفلات التي يختلط فيها الحابل بالنابل، وأنه ليس من العقل أن تتعرض ليلى لأنظار المئات من الناس وفيهم الفاضل والمفضول
وكنت على حق في منع ليلى من حضور حفلة المساء، فهي امرأة محجوبة عن المجتمع منذ سنين؛ وسيكون مَثلها حين ترى اختلاط الرجال بالنساء مَثل العين الرمداء التي تواجه الشمس بعد أن حجبها الطبيب عدة أسابيع في الظلام، ولكنها ألحت، ثم انتقلت من الإلحاح إلى التوسل، ومن التوسل إلى البكاء، والمرأة أقوى ما تكون حين تنتحب، فتخاذلت وقلت في نفسي: لعل هذه اللجاجة تعود عليها بالنفع، ولعلها حين ترى تسامح المجتمع الحديث لا ترى غضاضة في أن أغازلها حين أشاء
ولكن هذا الخاطر تبدّد في مثل لمحة الطرف، فأنا أعرف أن وزير المعارف من علماء النجف، وهو بالتأكيد يكره سفور المرأة، وإن ساير العصر فأباح اختلاط الجنسين في المعاهد العالية. ومن المحتمل أن يكره ظهور ليلى في المجتمع بلباس السهرة. ومالي لا أقول الحق كله فأقرر أن أهل العراق في النجف وغير النجف ينظرون إلى سفور المرأة بعين الارتياب؟ مالي لا أذكر بصراحة أن أكثر وزراء العراق يكرهون حضور زوجاتهم في الحفلات الساهرات؟ مالي لا أنص - للحقيقة والتاريخ - على أن وزراء العراق أكثرهم من رجال الجيش، والجيش يطبع أبناءه على الخشونة والصرامة والعنف، وأنهم لأجل ذلك من أغير الناس على كرامة ربات الحجال؟
وأخيراً أعلنتُ ليلى بالرفض المطلق، فأغربت في البكاء والشهيق
غضبة الله عليك يا ليلى وعلى جميع بنات حواء!
ورأيتُني مع الأسف طفلاً في حضرة هذه المرأة، فقد استبكتني فبكيت
ومع ذلك جمعت أشلاء عزيمتي وأصررت على الرفض
وعندئذ تدخلت ظمياء وهي تقول: هل لك أن تسمح بأن تخرج ليلى معك في ثياب فتىً من الأعراب؟
فكدت أطير من الفرح لهذا الاقتراح الطريف، ومضت ظمياء فأحضرت ملابس ابن عمها