عبد المجيد، فلبست ليلى بسرعة البرق، وخرجت معي
ولكنا ما كدنا نخطو بضع خطوات حتى تنبهت إلى الخطر المخوف، فقد تذكرت أن ليلى وهي في ثياب الفتى البدوي لن تقضي السهرة كلها في صمت، وهل يمكن لامرأة أن تسكت؟ وليلى تملك صوتاً هو في ذاته من كبريات الفضائح، وقد نصصت فيما سلف على أن لصوتها رنيناً مبحوحاً لم تسمع مثله أذناي على كثرة ما تذوقت من بُغام الملاح
فالتفت إليها وقلت: ليلى، ليلاي، اسمعي واعقلي، فإن صوتك سيفضحنا في الحفلة
فقالت: أتعهد بالصمت المطلق
فقلت: وكيف؟ وهل أضمن السلامة من واغل سخيف يسلم عليّ عمداً ليظفر منك بتحية، فتكون نبرة واحدة من صوتك المقتول نذيراً. بعواصف الفضائح؟
ولنفرض انك تلزمين الصمت ويلزم الناس الأدب فكيف تخفين هذه المشية؟
إن مشيتك يا ليلى فضيحة ولو لبست ثياب الجاحظ، والسامرون ينظر بعضهم إلى بعض، وأنت ستخطرين حتماً بين السامرين، وما أضمن أن يتأدب الجميع فلا تطرق سمعك كلمة نابية أقع بسببها في معركة تطنطن بها الجرائد في مصر والشام والعراق
اعقلي يا ليلى، اعقلي. . .
ولكن اللئيمة لم تسمع، ومضت تخطر في الطريق، فلطمتها لطمتين ورجعتها صاغرة إلى البيت، فودّعتني وهي تقول: سلمت يداك، فإني أحب الرجل البطاش
دخلت الاحتفال فوجدته يموج بالطرابيش فتهيبت وتخوفت وانتظرت حتى يأخذ المدعوون أمكنتهم من السماطين، لأتخيّر مكاناً ليس فيه طرابيش. ولا أدري ولا المنجم يدري كيف أخاف الطرابيش! وربما كان السبب في ذلك أني أريد أن أحيا في الحفلة حياة سعيدة، وهي لا تكون كذلك إلا إن خلت من التوقر، وما يمكنني أن أخرج على التوقر في حضور المطربشين. وهل لبست السدارة إلا لأنجو من عنجهية المطربشين؟
عفا الله عن مصر! فقد قتلت ما في صدري من شاعرية بفضل ما درجت عليه من التزمت والجمود
ولكن أين أجلس على المائدة؟ أين؟ أين؟
الحمد لله! هذا مكان يزدان بعمامتين من وطن سيدنا عمر ابن أبي ربيعة رضي الله عنه،