للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكان عمر بن أبي ربيعة من المجاهدين الذين قال فيهم جميل:

يقولون جاهد يا جميل بغزوة ... وأي جهاد غيرهن أريد

لكل حديث عندهن بشاشة ... وكل قتيل بينهن شهيد

ومن مزايا سيدنا عمر بن أبي ربيعة أنه وُلدَ في الليلة التي مات فيها سيدنا عمر بن الخطاب. وقد اشترك هذان القرشيان في الجهاد، فكان ابن الخطاب يغزو الممالك والشعوب، وكان ابن أبي ربيعة يغزو الأفئدة والقلوب

وأريد أن أقول إن عمر بن أبي ربيعة لا بد أن يكون ترك في الحجاز بعض التقاليد الصالحات، وقد أجاز له القرشيون أن يقول:

نظرت إليها بالمحصَّب من مِنًى ... ولي نظر لولا التحرج عارمُ

ولا يمكن أن يكون النظر إلى امرأة في المؤتمر أخطر من النظر إلى امرأة في المحصَّب، وما جاز في مكة وهي بلد حرام لا يمنع في بغداد وهي بلد حلال

وكلك اطمأننت على المائدة كل الاطمئنان

ولكن ما هذه المفاجآت؟ أراني لا أخرج من مأزق إلا وقعت في مأزق

هذه عمامة ثالثة، وهي من نوع خطر، لأنها عمامة وزير المعارف. . .

ونظرت فرأيتني فرغت من التهام الحساء، وتغيير المكان بعد ذلك باب من السخف

وما الذي يخيفني من وزير المعارف وهو من كبار الشعراء ولا يخلو شاعر من صبوات؟

ما الذي يخيفني من جيرة شاعر سليم الذوق مثل معالي الأستاذ محمد رضا الشبيبي؟

يخيفني أنه أديب صار وزيراً، وحياتي امتلأت بالأكدار والأوحال بفضل صحبتي لرجل أديب صار من الوزراء. وأنا في هذه المذكرات لا أتجنى على أحد، وإنما أسجل صور المجتمع وكان في مصر أديب يعطف على أدبي أشد العطف، فلما صار وزيراً فسد حالي عنده أشد الفساد. كان في حاله الأول يقول: زكي مبارك شاب يجيء منه؛ وكان في حاله الثاني يقول: مذهب زكي مبارك في الأدب سيفسد عشرة أجيال

وقد تعبت في تعليل هذه الظاهرة النفسية، ثم اهتديت إلى أن الأدباء الوزراء يهمهم أن يصححوا مراكزهم في المجتمع، ذلك بأن المجتمع يتوهم وهو خاطئ أن الأدباء يستبيحون من ألوان الحياة ما لا نستبيح، فالأديب حين يصير وزيراً يضيع وقته في تصحيح مركزه

<<  <  ج:
ص:  >  >>