الذي جرّحته أوهام المجتمع، فينقلب إلى رجل متحرج متكلف لا يعوزه غير عمامة عجراء ليصبح شيخ الأزهر أو نقيب الأشراف
وكنت خليقاً بأن أعلل النفس بأن ما أخافه في مصر قد لا أخافه في العراق
ولكني تذكرت حكاية الثعلب الذي همّ بالرحيل عن مصر في سنة ١٩١٦ فقد سألوه: لماذا تهاجر يا أبا الحصين؟ فقال:(ألم تعلموا أن السلطة العسكرية قررت جمع ما في مصر من جمال؟ فاعترض عمدة الباجور وقال: وهل أنت جَمَل؟ إنما أنت ثعلب. فقال الثعلب وهو يحاور حضرة العمدة: إلى أن يثبت أني ثعلب لا جَمَل أكون ضِعت
وكذلك أخشى أن أضيع قبل أن يثبت أن العقلية العراقية تباين العقلية المصرية. وعلى أساس هذا المنطق جلست على المائدة في غاية من الأدب والاحتشام. وأنا رجل يزدان بالأدب في قليل من الأحيان
ولكن معالي وزير المعارف ستشغله ألوان الطعام عن مراقبة ما يصنع زكي مبارك!!
وهل كنت مغفَّلاً حتى تفوتني هذه الحقيقة الأولية؟
وانتظرتُ حتى عَلَتْ قعقعةُ الشوكات والملاعق والسكاكين وأرسلت بصري فرأيت امرأة تحادثني عن بُعد بعينين ترسلان أشعة العذوبة والحلاوة والرفق
ورأيت الفرصة سانحة لدراسة هاتين العينين لأضع عنهما فصلاً في كتاب (سحر العيون) الذي شرعت في تأليفه منذ أعوام. وحضور هاتين العينين زاد اقتناعي بفوائد المؤتمرات، ولاسيما المؤتمرات الطبية، وسأكون بإذن الله عضواً في جميع المؤتمرات لأجد الموادّ الشائقة لكتاب (سحر العيون)
ورأت المرأة أني أسأت الأدب فصوبتْ سهام عينيها لتقتلني، ولكنها لم تفلح، فقد حاربتني قبل ذلك عيون وعيون ثم نجوت. ولو كانت العيون تقتل حقيقة لكان لي ضريح يزوره العشاق في باريس
فإن سأل قارئ هذه المذكرات عن جوهر هاتين العينين فأني أجيب بأنهما توحيان الحب، ولا توحيان الإثم. وسأعيش ما أعيش وأنا أتشوق إلى تقبيل قدمي هذه المرأة التي سحرت المؤتمر وهي في سذاجة الأطفال. وربما كنت أول من نظر إليها بعين الطُّهر والعفاف. ولو كنت مثَّالاً لاشتريت الساعة بألف دينار لأصنع منها تمثالاً يفضح تمثال أفروديت.