للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأعود إلى حفلة رئيس الوزراء فأقول إنها كانت في غاية من الجفاف، فلم يشرب فيها المدعوون غير أقداح الماء القراح. وقد تشاكى السامرون بعضهم إلى بعض، وعرف أحد الأطباء ما في نفسي فقال: هل سمعت تصريح معال أمين العاصمة؟ فقلت: لا. فقال: إنه يقول إن هذه الليلة من ليالي مكة، وأنه سيرينا في مساء الغد ليلة من ليالي بغداد

وطاش صوابي فمضيت أبحث عن أمين العاصمة لأسجل عليه الوعد! فرأيته يحادث رجلاً عرفت فيما بعد أنه وزير المالية، فما كاد يراني حتى قال: أنا أفتش عليك يا دكتور مبارك

فقلت: وأنا أفتش عليك يا معالي الأمين. ولكن قبل أن أخبرك لماذا أبحث عنك، أسألك لماذا تبحث عني؟

فقال: كنت أحب أن أوجه نظرك إلى وجوب خلع السدارة في السهرة

فقلت: وأنا لا أخلع السدارة لأني أكره أن أعطيها أدب القُبَّعَةِ

فقال: ولكن نحن اصطلحنا على خلع السدارة في المجتمعات

فقلت: هذا غير صحيح، فقد رأيت عشرات من النواب يحملون السدائر في حضرة جلالة الملك وهو يلقى بنفسه خطاب العرش. ورأيت ثلاثة من النواب يخطبون وهم مسدَّرون. وزرت معالي رئيس مجلس النواب في بيته فكان يحمل السدارة وهو في غرفة الاستقبال. والصحف تنشر صورة جلالة الملك مسدراً وهو يقرأ الفاتحة على قبر أبيه

فقال: قلت لك إننا اصطلحنا على خلع السدارة في المجتمعات

فقلت: وأنا أرى الشواهد التي قدمتها كافية لإقناعك بوجوب التسامح في هذا الاصطلاح

فقال: أنت أستاذ وأعمالك قدوة، وأخشى أن أقول إنك تعطل ما نسعى إليه من جر الشعب إلى المدنية

فقلت: وأنا أخشى أن تجروه إلى الحيوانية

فظهر الغضب على وجهه وقال: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟

وعرفت أن الموقف سيسوء فأسرعت إلى تحديد ما أريد وقلت: أقول يا معالي الأمين إن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يغطي رأسه، وما عداه من الحيوان لا يعرف تغطية الرأس. وكذلك أحكم بأن كشف الرأس يقرب الإنسان من الحيوانية

فأخذني من يدي وانتحى ناحية وقال: كيف تقول أمام معالي وزير المالية إننا حيوانات؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>