وينتهي الأمر بتدخل إدارة الأمن العام وإخراج (مي) النابغة من سجنها
فتعود الذئاب الخاطفة التي تخشى أن ترد إلى (مي) حقوقها الشرعية بالتصرف في أموالها وحليها ومكتبتها الغنية التي وضعوا أيديهم عليها ظلماً وعدواناً، وتصرفوا بها تصرف المالك فمي ملكه اعتسافا وطغياناً - يعودون إلى مزاعمهم الأولى من اختلاط عقلها وضعف مداركها ويلحون باستشارة أهل الاختصاص من الأطباء، وتكون النتيجة دعوة طبيبي مستشفى العصفورية وربيز لمعرفتها السابقة بحالتها وطبيبين آخرين، فتقرر هذه الهيئة الطبية المستشارة أن حالتها الحاضرة تبعث على الرضى، ولكن بالنظر لضعف جسمها يخشى أن تتأثر أعصابها مرة أخرى، ولذلك يشيرون عليها بقضاء دور النقاهة في منزل مناسب ببيروت
وتنقل بالفعل إلى ذلك المنزل هي وممرضتها الموكول إليها أمر العناية بها والقيام على حاجاتها ولوازمها
وعقيدة الطبيب في مريض من مرضى العقول لها تأثيرها في نفسه، فهو يظن به الظنون ولا يريد أن يقتنع بصحة مداركه مهما كانت ظواهره حسنة ولعل هذا هو الذي حدا بالطبيبين المداويين لها قبلا على الإصرار على رأييهما فيها إن لم يكن هناك دافع آخر يدفعهما إلى ذلك التعنت
ويستمع الناس ولا سيما الطبقة المستنيرة إلى ما آل إليه أمر (مي) فيأتون زرافات ووحداناً إلى كعبة الفضل يحجون إليها ويكون في طليعة هؤلاء الحجاج الكرام صديقنا فارس بك الخوري رئيس المجلس النيابي السوري وقرينته الفضلى. واستمع إلى ما يقوله هذا الرئيس الجليل لمندوب أكبر صحيفة يومية لبنانية عن الآنسة (مي):
(يمكنني أن أقول بكل صراحة إنني تحدثت إلى أناس كثيرين في بيروت فلم أر فيهم من هو أعقل من الآنسة (مي). وأزيد على ذلك أنني سمعت من بعضهم أخطاء لم تفه (مي) بواحد منها فهي بحالة عقلية تامة، ولكن صحتها الجسدية ضعيفة جداً
ومما قالته لي والألم ينبعث من عينيها: (تصور مي زيادة على بعد عشرين دقيقة من بيروت قلب الشرق العربي وعاصمة لبنان الجميل الخالد ومهد الحضارة والنور وأم الجامعات والمؤسسات العلمية ودار الجمعيات الأدبية والخيرية ومركز جمعية النهضة