أخذتني غالباً حال من الهم حتى لا أجرؤ أن أحمل معي مبراة)
وللشباب هواجس وأحلام يحار المرء في تفسيرها وتعرف مصدرها، فهي من خفايا النفس الإنسانية، وكثيراً ما ينقبض المرء وهو في حال من الرضا أو هو في مثل حال الرضا. . . هل كان مرد همه إلى طموح نفسه وتوثب همته؟ أم كان ذلك إلى نوازع قلبه وهواجس خاطره؟ هل كان أيب يجب آن حقاً كما يكون الحب، أم أن إحساسه بما ينقص قدره في أعين الفتيات كان هو مبعث هواجسه ومدعاة زلفاه؟
إن في انصرافه إلى عمله وهو يحمل الخطابات في قبعته من دسكرة إلى دسكرة ما يلهيه بعض الوقت، وإن له في الكتب لعزاء وسلوة: له في شكسبير وبرنز ما تأنس به روحه ويثلج خاطره، وله في تراجم العظماء - وقد كان مقبلاً عليها - من معاني السمو ومواقف البطولة ما يبهج نفسه ويثبت قلبه
وأضيف إلى عمله في البريد عمل آخر دله عليه أحد خلصائه وهو تخطيط الأرض ورسم المصورات للطرق الجديدة التي كانت الحكومة تنشئها وتوضح معالمها للناس ليهتدوا بها في مسيرهم في تلك الأصقاع. ولقد حذق إبراهام هذا العمل الجديد وصار بعد توزيع البريد - وهو قليل - يحمل منظاره ولوحته وقلمه ويتنقل بين الأحراج يرسم الطرق، وكان يأتي ذلك بما عرف عنه من الدقة في كل ما يعهد به إليه. . . ولكن الدائنين لم يدعوه فيما هو فيه، فأقبل أحدهم وباع جواد إبراهام وسرجه ولجامه في مزاد نظير ماله؛ وقد عزّ على إبراهام أن يشهد هذا البيع فابتعد حتى يتم؛ ولكن صاحباً له يدعى جرين تقدم فدفع المال المطلوب وخلص له الجواد ولقيه فقال له:(رد لي هذا المال حينما تصبح قادراً على ذلك، فإن لم تقدر فلا عليك منه يا صديقي) وأراد بعض الدائنين أن يبيعوا تلك الأدوات التي يقتات من العمل بها فجمع لهم بعض ذوي المروءة من أهل الجهة ما كانوا يطلبون من المال وأعفوا أدوات صاحبهم من ذلك البيع. ولقد مات جرين بعد حين وقام إبراهام يرثيه فاستعصت عليه الكلمات ولم يجد لديه غير الدموع
وجاء موعد الانتخابات وتقدم إبراهام من جديد يقدم نفسه للناس، وكتب له النجاح هذه المرة؛ وذهب ليتخذ مقعده في مجلس الينويس نائباً عن جهة سنجمون وكان المبدأ الذي نجح عليه هو مبدأ الهوجز إذا أردنا السياسة، وهو مبدأ الفضيلة والنبل والسمو إذا أردنا