شخص يطلب الجميل أكثر مما أطلب؛ كذلك قلَّ في الناس من يقبل الجميل كما أقبل؛ ولكن الجميل إلي في هذه الحال معناه الجور في حق الناس؛ ولذلك فإني أستميحك أن تنصرف عنه. إن حيازتي ثقة أهل سنجمون ذات مرة أمر واضح؛ فإذا كنت قد أتيت أمراً من شأنه إذا عرف أن يحرمني تلك الثقة، سواء كان إتيان ذلك الأمر عن إصرار أو عن خطأ فإن الذي يعرف هذا الأمر ثم يخفيه إنما يخون صالح بلاده. وأنا لا يقوم في ذهني شيء عما عساه أن تكون الحقيقة أو الحقائق التي تتحدث عنها واقعية كانت أو مزعومة؛ بيد أن ما أعهده فيك من الصدق لا يسمح لي برهة أن أشك في أنك على الأقل تعتقد ما تقول. إني أراني مديناً لك بهذا الاعتبار الشخصي الذي أظهرته نحوي، ولكني آمل أن ترى إذا تأملت من جديد أن صالح الناس أهم من ذلك. وعلى هذا فلا نتحرج أن تعلن الحق. وأؤكد لك أن ذكرك ما لديك من الحقائق في صدق وأمانة لن يفصم ما بيني وبينك من عرى الصداقة. هذا وإني أرجو أن يأتيني رد منك على هذا ولك الحرية أن تنتشر الكتابين إذا أردت).
اقرأ هذا الخطاب تر كيف ملك إبراهام قلوب الناس بأمانته وإخلاصه ودماثته. ثم انظر إلى قوة حجته وروعة منطقه ودهائه؛ وتأمل في أدبه وتحشمه وهو يرد الإهانة عن نفسه. تلك لعمري خلال أحرار الشمائل وعظماء الرجال. . .
فاز لنكولن في الانتخاب وحق له أن يفوز. ولقد خطب الناس مرة فكان مما قاله:(سأسعى أن يفوز جميع البيض من يدفع منهم ضرائب ومن يحمل السلاح بحق الانتخاب (لا أستثني من ذلك النساء بأي حال) فإذا انتخبت فسأعتبر أهل سنجمون جميعاً. هم مرسلَّي سواء من اختارني منهم ومن لم يفعل، وحينما أعمل في المجلس كنائب عنهم سوف أصدر في عملي عن إرادتهم في كافة الأمور التي أستطيع أن أعرف إرادتهم فيها؛ وفي غير ذلك سأسير وفق ما يمليه علي تقديري مراعياً مصالحهم أبداً)
ذلك هو دستور لنكولن وتلك هي أخلاقه في مجال السياسة ذلك المجال الذي سينضج فيه شخصه وتكتمل رجولته وتبرز مواهبه وتسفر مظاهر عبقريته. كان له في المجلس أصدقاء منهم ثمانية كانوا مثله في طول القامة، ولقد كانوا يجلسون رفقة يتحدثون، فعرفوا باسم التسعة الطوال، ولكن إبراهام كان أطولهم باعاً في المعرفة وأعلاهم مقاما في الخلق، فلقد ظهرت صفات ابن الغابة لهم في وضوح، فهم معجبون بدماثته وأمانته وبعد نظره،