وأغضت الفتاة، وجعلت تبحث في خضرة المياه بعينيها المحزونتين، كأنما راعها ما عرف القس من أمرها وأمر هؤلاء الملاحين. . .
وساد الصمت، وكان أنطونيو قد دفع الفلك في البحر فاحتواها الماء، وصارت سورّنتو تبتعد وتبتعد، وتسطع منازلها البيضاء في خضرة حدائق البرتقال، وفوهة الفيزوف تقذف بمثل ما في صدور لوريللا من حميم. . . ثم سألها القس:
- ألم تعودي تعلمين من أمر المصور شيئاً يا لوريللا؟ لقد سمعت أنه ذهب إليك مرة ليعمل لك صورة، وأنك رفضت فِلمَه؟
- ولم يريد أن يصورني أنا من دون بنات سورنتو؟ إن منهن من هي أروع مني جمالاً وأكثر فتنة! فلم يصورني أنا؟ لقد ذكرت أمي أنه ربما تصباني بها، أو أتلف بها روحي، ومن يدري فربما أضمر بها قتلي؟ من يدري؟!
- يا صغيرتي لا تصدقي هذه الخزعبلات! ألا تؤمنين بالله؟ ألا تثقين أنك دائماً في حفظه؟ وأن شعرة واحدة منك لن يصيبها أذى إلا بإذنه؟ فماذا يصنع واحد من بني الموتى بصورة في يده إن أراد بك سوءاً؟. . . على أنني أعرف أنه كان مغرماً بك، مشغوفاً بجمالك. . . وأنه لذلك أراد الزواج منك، لكنك أبيت! ولست أدري لماذا. . . إن الناس كلهم يمدحونه ويطرون أخلاقه. . . ولقد كان في وسعه أن ينتشلكم مما تقاسون من ضيق وشظف، ويريحكم من عناء ما تنسجون من أجل الحياة. . .
- تاالله يا أبانا لقد كان فقرنا سبب إحجامنا. . . إذ كيف يطيق ما نحن فيه من عوز، وما تقاسي أمي من مرض؟ لقد كنا نصبر كلاًّ عليه. . . هذا. . . وأنا؟! كيف أعيش في كنفه ذليلة بفقري وبيئتي؟ هل أنا سينوره؟! ماذا يقول لرفاقه حين يغشون داره؟ إنه يهرب مني حينذاك. . . أو. . . يذوب حياء
- كيف تقولين هذا يا لوريللا؟! إن الرجل الذي يحب لا يبالي ما تقولين. . . على أنه كان يستطيع أن يهاجر إلى بلد بعيد فيعيش في جنة بفنه، ويسعد بك إلى الأبد. . . أوه!. . . لقد كان رسولا من السماء بعثته لإنقاذكم فطردتموه!
- لا علينا من ذلك أيها الأب! إنني من جهتي. . . لا أرغب في الزواج مطلقاً. . .